Wednesday, July 20, 2011

الله/الشيطان الذي يكمن في التفاصيل

حافظ وودي ألن على معدل ثابت لإنتاج أفلامه منذ عام 1969. فمنذ 40 عام، ينتج فيلما كل اثني عشر شهرا.  يرى ألن لهذه الصرامة في عملية إنتاج أفلامه أهميتها، ليس على أي صعيد إبداعي؛ ولكن ببساطة لأنها تشغل عقله عن تأمل قدره المحتوم. "عندما تكون قلقا بشأن هذه النكتة، هذا الزيّ، هذا النقد، موقع التصوير، ماتقوله الصحف؛ لن تفكر كثيرا في الموت وقِصَر الحياة.*

في فيلمه Whatever works يقدّم ألن شخصية بوريس العالم الذي عرف كل شيء، فلم يعد يُبالي. بوريس بالرغم من هذا له نوبات ذعره الليلية، له سخريته من البشر، كراهيته للغباء، هذه الأشياء اللطيفة المستأنسة. وبوريس يحافظ على روتين ثابت لحياته. يغنّي لنفسه أثناء غسله يديه أغنية عيد الميلاد، ويحتفظ بروتينية تمنح نفسه الإستقرار الذي يمنعه من الانهيار.

حاولت أختي أن تصلني بالعالم خارج غرفتي. جلست على السرير، ولمدّة نصف ساعة، تحدثت عن مشاكل العائلة. حدثتني عن هؤولاء الذين يجب دعوتهم لخطوبة أخي، وهؤولاء الذين لا يجب دعوتهم. وكيف أن المدعوين سيخبرون غير المدعوين "وتبقى فضيحة". أخبرتني عن الحسد، عن لون السجادة الذي صار لا يتناسب مع لون الأنتريه بعد تجديده، عن الـ "شفشق" الجديد الذي اشتروه من أجل "خشاف" رمضان، ثم سألتني هل درجة لون الطرحة الجديدة التي اشترتها هي نفسها درجة لون الوردة في البلوزة أم لا. أنا لم أرد؛ اكتفيتُ بالانبهار.

في رواية فيرجينيا وولف "السيدة دولوواي"، هناك هذه السيدة التي تُعد حفلا ما. وهذه الفترة التاريخية كلّها حوت هذه السيدّة. وهي موجودة حتّى الآن. الإهتمام المفرط بالتفاصيل. كل تفصيلة مهما كانت صغيرة لها أهمية كبيرة. وهذه السيدّة ستفعل كل شيء، حتّى أنّها ستشتري الورد بنفسها. في مقال مايكل كاننجهام عن رواية الساعات، أشار إلى أن أمّه كان يمكنها أن تقضى نصف نهارها لتختار مناديل المائدة المناسبة للحفل. كان تحضر كل وجبة بشكل رائع، ولكنها تظل قلقة إن كانت أخفقت.

يقولون أن: "الشيطان يكمن في التفاصيل". الويكيبيديا الإنجليزية تقول أن هذه العبارة مشتقّة من عبارة أخرى، أؤمن بها أكثر، تقول بأن "الله يكمن في التفاصيل". دعونا من الله. لنقل أن التفاصيل تقينا الانهيار. التفاصيل تشغل عقلنا عن التفكير في مآزقنا النفسية والوجودية. لنقل أن التفاصيل تستطيع أن تتعامل بشكل جيّد مع صدوع النظريات التي تحكم وجودنا الإنساني، أو حتّى على مستوى أبسط: التفاصيل تقينا التقاء أنفسنا، أسوأ ما يمكن لأحد أن يلقاه. لو تعاملنا مع "الله" على اعتباره اليقين الذي يُريح البشر سيكون للعبارة عُمق آخر.

كنت في شوارع وسط البلد أحاول أن أقنع نفسي أنني أنثى طبيعية، تتسوّق وتشتري لبسا جديدا. ركزتُ جدّا في تفاصيل درجة لون الوردة مع درجة لون الطرحة. أتممتُ نصف المهمة بنجاح، وهذا كان إنجازا. كانت الساعة مازالت الثالثة عصرا. اتصلت بصديقتي لعلمي بتواجدها في الميدان معظم الوقت؛ كي أراها. كان معها صديقة وصديق آخر. ضحكنا وتكلمنا. انخرطت في تفاصيل صغيرة معهم. اتفقنا أن نلتقي صباح اليوم التالي لنكمل حديثنا. التقينا. بدا لي العالم بسيطا. هيه، أنا ألتقي أصدقائي، أنا أتحدث في التليفون، أنا أنخرط في تفاصيل الحياة المعاشة وأفكر في لون الوردة، أنا لم أسأل نفسي عن مأزقي الوجودي. ليلتها قلت لصديق آخر أن مزاجي رائق بدرجة مريبة. بدا لي أن الحياة يمكنها أن تستمر هكذا. تخليت عن مكاني المعتاد في ركن السرير أو أمام الكمبيوتر، وشاهدت معهم في البيت فيلم كارتون وضحكت. ثم في الليل، نزلتُ بصحبة اخوتي البنات لشراء أشياء ليس لها أي فائدة. وأديتُ ببراعة، فاشتريتُ أحمر شفاه وبنسا للشعر وشرابا.

كُنّا على وشك الخروج من المحل، عندما التقيتُ زميلة من زميلات الكلية. لا أحبها كثيرا. أراها ضحلة ولا تصلح لشيء وتستفزني طريقتها في الكلام، وأعرف أنّها تكرهني لأنني أحصل درجات أعلى منها. كانت بصحبة ولد لطيف وواضح أن بينهم شيء. سلمت عليّ بطريقة مفتعلة، ثم قالت جملة ليس لها مبرر سوى أنّها تريدني أن أعرف:"لسّه راجعة من الشغل ومبهدلة". حسنا، أنا لم أسألها. وهي لم تكن "مبهدلة". سألتها:"بتشتغلي فين؟". عرفتُ أنّها تعمل في شركة ذات اسم أجنبي لبحوث التسويق. وأن مرتباتهم "حلوة أوي". وأنها تقبض 2000 جنيه في الشهر. وقالت في النهاية بلهجة استعراضية:"لو عايزة تشتغلي قوليلي". سألتها عن طبيعة العمل فقالت أشياء عن النزول للناس ومعرفة رأي العميل في المنتج. تفاصيل تستغرق كلّ حياتها. قالت:"همشي عشان معايا ناس .. معاكِ رقم تليفوني ومعاكِ الفيس بتاعي .. ابعتيلي". لم يكن في بالي سوى جملة واحدة "يابنت الكلب!". 

في ميكروباص العودة، كان سائقه قد أضاف إليه تقنية جديدة تتيح له أن يُرينا الفيديو كليب بالإضافة لسماع الأغنية عن طريق شاشة صغيرة على الكبّوت. كانت أغنية لتامر حسني. وكان يخبر الموديل المبتذلة معه أنّها ستكون أطيب وأرق وهي أم. والجو ملائكيّ، وكل التفاصيل بيضاء. والحياة في منتهى الوداعة. تذكرتُ شيئا قديما عن الأغنية، فكرتُ في وجهة نظري في الزواج والإنجاب وهذا الهُراء. وفي البيت، طلبت منّي أمّي بحدّة تقترب من الأمر ألا أستخدم أحمر الشفاه في خطوبة أخي، "حرام.. ومش عايزين فضايح قدام الناس".  


في فيلم وثائقي عن الأنظمة الرقمية وشبكة الانترنت، أشاروا إلى أن في المستقبل القريب، وهذا بدأ بالفعل، سيتم استبدال كل الوصلات التي تدخل للبيت بوصلة واحدة. تعطينا الكهرباء، ومسؤولة عن تزويد التليفزيون والتليفون الأرضي، وستصلنا كذلك بالانترنت. كانت الإشارة إلى ما يجري من ربط لكافّة أنظمة الاتصالات في العالم في شيء واحد وعبر شبكة واحدة. شبكة واحدة محكمة تماما تحوي كل التفاصيل ومعنيّ بها عناية فائقة.

مشكلة هذه الشبكة سيكون شيئا واحدا، ولكنّه كارثيّ. ماذا إذا حدث عُطل؟ ببساطة، سينهار كل شيء. تماما كما في فيلم Inception. سينهار كل العالم الذي خلقته لنفسه. خبطة واحدة في الجدار، يتحطّم على رأسك وعلى رأس اللي خلفوك. ولأنّه نظام متكامل، ومتشعّب، وأجزاؤه مرتبطة ببعضها، الخلل في جزء يعني سقوط الشبكة. أي خلل يصيب القلب مباشرة؛ أنا ذاتي. لم أستطع أن أقول لنفسي بعد لقاء البنت: عادي، أنا كويسة، أنا بشتري "روج". أعادتني بفجاجتها للواقع، لواقعي. انتبهت أنني وهي في نفس المحل، أنني أفعل أشياء فجّة مثلها، أنني لن أقبض نصف هذا المرتب الذي تقبضه، وأنني لا أنتمي لهذا العالم الذي يدفعون فيه 2000 جنيه من أجل معرفة رأي عميل لا يهتم في منتج حقير. 

التفاصيل عظيمة.ولكن إن لم تُنجَز بالكفاءة الكاملة ستحطمني أنا نفسي. عليّ أن أختار كما لورا في رواية الساعات.  إما أن تكون قادرة وإما ألا تبالي. لا توجد حلول وسطيّة. إما أن أنجح في أن أجد نفس درجة لون الوردة وإلا سأسقط. لورا نجحت في صناعة التورتة في المحاولة الثانية، وتركت البيت بعدها بأشهر. أنا أنجح أحيانا، ولكنّي لا أمتلك مهارة لورا وصبرها. ولا أريد أن أصنع التورتة أصلا.

"نحن هنا على الأرض، ولا علاج لهذا". بحسب تعبير صمويل بيكيت. لا علاج لهذا فعلا، لابد أن أنجح في الإنغماس في التفاصيل أو أترك كل شيء. أصنع التورتة أو أترك البيت. أجد درجة اللون أو أخلع الحجاب. أتزوج كما يتزوجون أو أهاجر وأترك البلد. لا حلول وسطيّة. ويبدو أنني أفشل دائما، بنجاح مبهر، في أن أنغمس في التفاصيل. أظل على الحافّة. أهز رأسي في تفهم وأنا لا أسمع حرفا مما يُقال. وأحاول ايجاد درجة لون الحجاب في حين أنني فعلا لا أهتم إطلاقا. ثم أنهار في النهاية مع أول لقاء مع زميلة ضحلة وأغنية لتامر حسني. فأعود لركن السرير لأبكي وأعيد مشاهدة الفيلم الذي حفظته؛ خوفا من تجربة فيلم جديد.

شيطاني يكمن في التفاصيل، وإلههم يكمن فيها. ولا تقاطع بيننا.


------
* بتصرّف. المقابلة كاملة هنا.

10 comments:

  1. أعدتيني لركن السرير..إلا أنني بتطرف أقلّب في الأفلام الجديدة والكتب الجديدة حتى أثبت أنه يوجد حل ما، يوجد طريقة ما..فقط أنا لم أجدها بعد.
    -
    التدوينة عبقرية.

    ReplyDelete
  2. سارة
    لكلٍ ركن سريره المفضل ..
    هو بشكل عام، أنا دلوقتي ببذل مجهود فعلا عشان أعرف حاجة جديدة، أو أعمل حاجة جديدة ..
    الموضوع بيحتاج ان الحاجة تكون تستاهل جدّا .. وحد يرشحها بقوّة .. وحد يزقني كمان
    بس سيبك، المدونّة نورّت والنيعمة :))

    ReplyDelete
  3. شركة مكافحة النمل الابيض بالاحساء ان النمل الابيض ليس نملا عاديا كباقى النمل يمثل خطوره على الانسان ولكن النمل الابيض يمثل خطوره بالغه على المبانى واساسات المبنى وفى معظم الاحيان قد يؤدى الى انهيار المبنى بالكامل وذلك لانه يتغذى على مادة السليلوز التى تتواجد فى الاخشاب والخرسانات والسجاد والاثاث والستائر ومن المعروف عن النمل الابيض انه يعيش فى مسستعمرات كبيره للغاية فقد تتراوح اعددها من 30000 الف الى 2.5 مليون ولذلك يجب مكافحة النمل الابيض والقضاء علية نهائيا وذلك يتم من خلال شركتنا شركة رش مبيدات بالاحساء وشركة مكافحة حشرات بالاحساء اما اعمال التنظيف فتعتبر من الاعمال الشاقة والمتعبة والملرهقة التى تحتاج الى وقت وجهد ولكنها يجب ان تنفذ لان قله النظافة قد تؤثر على صحة الانسان وتجلب الية الامراض والاوبئة المختلفة وذلك من خلال الجراثيم والميكروبات التى تتواجد على الاسطح المتسخة وتنتقل للاشخاص من خلال التعامل مع تلك الاسطح ولاننا دائما مهتمون يصحتكم نقدم لكم افرع شركتنا فى التنظيف
    شركة تنظيف بالاحساء
    شركة تنظيف منازل بالاحساء
    شركة تنظيف فلل بالاحساء
    شركة تنظيف شقق بالاحساء
    شركة تنظيف مجالس بالاحساء
    شركة تنظيف كنب بالاحساء
    وليس هذا ما تقدمة شركتنا فقط ولكننا نقوم ايضا من خلال نخبة من المهندسين المختصون بالكشف ومعالجة تسربات المياه فى الحال وذلك يتم من خلال فرع الشركة الخاص شركة كشف تسربات المياه بالاحساء
    جميعنا يعرف ان التعرض للشمس كثيرا يؤثر علينا وذلك لان اشعه الشمس المباشره تكون ضاره على الانسان ولذلك تقوم بعزل الاسطح لحمايتها من اشعه الشمس المباشره وايضا لحماية الاسطح من العوامل الجويه والعوامل الطبيعية المختلفة
    شركة عزل خزانات بالاحساء
    شركة عزل اسطح بالاحساء
    للاستفسار ومعرفة المزيد يرجى الاتصال بالرقم التالى
    جوال رقم0558973863

    ReplyDelete