Friday, July 1, 2011

إن متُّ انتبهتُ

انتبهتُ إلى أنني لا أتحدث تقريبا. أقول كلمات قليلة جدّا وإن استطعتُ الإشارة عوضا عن فتح فمي سأفعل. منذ يوم الأربعاء لم أحرك لساني تقريبا غير مرّات محدودة. بعيدا عن الحوارات الافتراضية على الانترنت لأنها أشبه بالكتابة وليس بالكلام، لا أتكلم تقريبا. لا أعرف السبب بالضبط. لم أنتبه حتّى لهذا إلا عندما سألتني أمّي عمّا إذا كان هناك ما يضايقني. "داخلة ساكتة وخارجة ساكتة". فانتبهتُ أنني ساكتة فعلا.

لا أحب يوم الجمعة. أكرهه منذ الطفولة. يوم الجمعة يكون أبي في البيت، نكون كلنا في البيت، كل الناس في العمائر المجاورة يكونون في بيوتهم وهذا لا يعني إلا شيئا واحدا: الضجيج. أبي يشاهد شيئا ما مزعجا على التليفزيون، أخي الصغير يلعب لعبة ما مزعجة على الكمبيوتر، أمّي تصنع شيئا ما مزعجا بالخلاط أو بالغسالة العادية، وأختي تقرر أن تنظف الغرفة وهي تستمع لسورة الكهف عشان البركة. والجيران في نفس العمارة وفي العمائر المجاورة يفعلون نفس الأشياء. ولو أضفنا الباعة المتجولين، وخبطات بائع الأنابيب، والإصلاحات التي يقوم بها أحدهم في بيته -خبط وترزيع- فهذا لن يعني سوى الجحيم في أبهى صوره. استثنيتُ خطبة الجمعة المزعجة للغاية التي تأتي من ألف مئذنة في نفس الوقت، على اعتبار إنّها بتاخد وقتها وتسكت. لا أحب يوم الجمعة.

ليلة هذه الجمعة، شاهدتُ فيلما سخيفا، وقررت أن أنام قبل شروق الشمس، ونمتُ فعلا. كان عندي خطّة شريرة تتضمن استغلال يوم الأربعاء العظيم لإصلاح باقي الأيّام. أنام في مواعيد معقولة، بعد الفجر حتّى، وأستيقظ في مواعيد معقولة، مع الظهر مثلا. وأُجنّب نفسي، وأجنّب المدونة، وأجنّب قارئ المدونة، التدوينة الصباحية السخيفة. ولكن يبدو أنّه صار قدرا.

أيقظوني قبل صلاة الجمعة بأكثر من ساعتين وسألوني إن كنت سأفطر معهم، قلتُ نعم. وتجاهلتُ حقيقة أنني لم أنم جيدا، وأنني نمتُ نوما متقلبا. تجاهلتُ الكوابيس. وعندما أنهينا الإفطار، وقفتُ في غرفتي قليلا، أنظر للكمبيوتر، ولورق المادة القادمة، وللرواية التي أقرأها، ولم أعرف ما الذي يجب عليّ فعله. كنت تائهة، كأنني لم أستيقظ بعد، أو كأنني في غرفة لا تخصني. هيه عُدنا للإنفصال إذن. رفضتُ أن أعود لهذه الحالة، ولكنّ ظلّ القرار غائبا. حسمه صوت سورة الكهف القادم من قناة المجد في الصالة؛ سأنام. أدرتُ موسيقى تعتبرها أختي مزعجة، ونمتُ. نمتُ بعمق فعلا. صديقة قديمة لي قالت لي يوما ما بعيد أنني أهرب إلى النوم أحيانا. لا أعلم تحديدا. ولكنّي اليوم قارنتُ بين ضجيج الواقع وضجيج الحلم، وجدتُ أن أحلامي هادئة نوعا ما خلال النهار، والفترة التي نمتها من بعد الفطار حتّى وقت تناول الغداء كانت هادئة تماما. بناء على هذا أخذتُ أغبى قرار أخذته في حياتي، قررتُ أن أنام باقي اليوم. نمتُ، ولكن عادت إليّ الكوابيس المزعجة التي يختلط الواقع فيها بالحلم، وعاد إليّ الدوار. وصرتُ لا أريد أن أنام من صعوبة الحلم، وكلما نهضتُ، سقطتُ من الدوار.

في الحلم، كنتُ أعرف أنني يجب أن أنهض من النوم، ولكنّي لا أستطيع. وكنتُ خائفة جدّا أن يراني أحد نائمة، باب الغرفة يهتز كأنّه مصنوع من القماش، وهناك أضواء تتخلله وتنعكس على قطع الأثاث في الغرفة وتحولّها لشياطين. أضع رأسي بجانب الكمبيوتر، وصوت محركاته كان كنذير شؤم بالموت. أشعر بيديّ تتحرك وحدها، وأنا لا أريد أن أحركها. أنظر لها برعب، وهي تستمر في الحركة وترتعش فيرتعش جسدي كلّه. أسمع صوت أقدام في الممر، أحدهم يقترب من الغرفة. لا أريد أن يعرف أحد أنني نائمة، أقول لنفسي في الحلم: استيقظي .. استيقظي. ولا أستيقظ. فُتح الباب بغتة بقوّة وأُضيئت الغرفة. صرختُ في الحلم صرخة هائلة، واستيقظت وأنا لا أستطيع التنفس. كانت أمّي على الباب تسألني: انتِ تعبانة؟ كدتُ أشتمها، ثم أدرتُ وجهي نحو الحائط ولم أرد. سألتني أسئلة هلامية عن عمّي الذي اتصل بي، عن ملابس متسخة وأخرى نظيفة، وأنا لا أعرف كيف أجيبها. النور يُغشي عينيّ، وعقلي مضبب جدّا، ولا زلتُ في أحداث الحلم. ثم خرجت من الغرفة، فتنفستُ. بمجرّد أن أغلقت الباب، فتحته مرّة أخرى بعنف مماثل ثم فتحت نفس الموضوع القديم. قالت كلاما سخيفا نوعا ما، ضغطت عليّ بشدّة، حاصرتني، ولم تهدأ إلا عندما طلبت منها بحدة أن تتركني وشأني. انصرفت ولم تعد. نظرتُ في الساعة، كانت العاشرة مساء. حاولتُ أن أنهض، ففشلت من الدوار. استلقيت وأخذت أحاول التنفس بهدوء، وأقبض أصابع يديّ ثم أفردها، ثم أقبضها وأفردها. تحسستُ وجهي، وتحسستُ عينيّ، ثمة سخونة طفيفة. انتظرتُ حتّى هدأت تماما. وقمتُ ببطء شديد. جلست على السرير، وأدرتُ الموسيقى مرّة أخرى -كانوا قد أغلقوها لأنها مزعجة- وحاولتُ أن أبكي، فلم أستطع. ظللت جالسة على السرير حوالي ساعتين، لا أفكر في شيء. ثم قمتُ لأبدأ يومي بعد منتصف الليل.

1 comment:

  1. هو فى حاجه فى الجو الايام دى على فكرة
    بتخلى الارق والكوابيس المزعجة دى

    بغض النظر عن اللى فات ده
    عجبنى السرد الاحداث اوى :)

    ReplyDelete