Wednesday, October 26, 2011

ما يكفي من الكراهية

سنعقد اتفاقا؛ إذ لابد لهذا أن ينتهي. سنلتقي أنا وأنت، في صباح يوم عاديّ. نختار بقعة بعيدة على كورنيش النيل. سنجلس على السور، متقابلين، ينظر كل منّا في وجه الآخر لمدّة لا تقل عن نصف ساعة، ندير بعدها وجهنا نحو الماء. نخرج ورقة وقلما ونكتب عشرة أسباب تدفع كل منّا لقتل الآخر والطريقة التي سيقتله بها، بشرط وحيد: أن يوافق الآخر على طريقة القتل. بعدها، سأعطيك أغانيك، التي لا أسمع سواها، سأعطيك طريقتك في الحياة، التي تلبستني، وسأعطيك رائحة جسدك، التي لا تتوقف عن مهاجمتي. وأنت في المقابل، ستعطيني برودي ولا مبالاتي بأي شيء.

سأشرح لك أهمية هذا. عندما أفكّر جيدا كيف أقتلك، سأقتلك فعلا داخلي. آمل هذا. ولا مانع لديّ على الإطلاق أن تحاول تنفيذ خطتك في قتلي. أن تدفعني بقوة فأسقط في النيل وأغرق، أن تخنقني بيديك، أو تطعنّي بمطواة في صدري. لن أستنكر، ولن أراك عنيفا. ربما أصبح وقتها قادرة على كراهيتك بما يكفي لأتعامل معك ببساطة. ستجعلنا الكراهية قادرين على التفاعل، تعبتُ من التجاهل. إن كانت محبتنا انقطعت، لنحولّها إلى أي نوع آخر من المشاعر. آملُ أن نصل للمرحلة التي يكون وجودك فيها معي في نفس المكان أمر عاديّ، أو على الأقل ليس مربكا. أن يكف ذكر اسمك عن إصابتي بالتوتر، أن تكف ذكرياتنا عن تذكيري بك دائما. سأفصل بينكما. سيصبح الذي أحببته -وهذه حقيقة للأسف- في ركن بعيد في قلبي موضوعا بحرص مع باقي آلامي، فيما ستصبح أنت شخص آخر أتفاعل معه بطريقة أخرى لا يهم كونها إيجابية بقدر ما يهم كونها مغايرة. سأتوقف عن تصفح صفحتك كل خمس دقائق، سأسمع أغانيك بهدوء محايد، وسأفكر فيما تكتبه بشكل أدبي. لن أبكي مع كل سطر تكتبه عنّي، لأنني أراني عندك من جديد، وكل سطر لا تكتبه عنّي، لأني أخشى أن تكون نسيتني بهذه السرعة. سأتوقف عن الكتابة عنك وإليك. وسأكتب قصصي التي أراكمها باستمرار، فيما أواظب على الكتابة عنك يوميا، كتابة لا تفيدني أنا نفسي.

ربما إن عددنا أسباب الكراهية، نكتشف عدم وجودها فنعود. ربما نكتشف عمقها فتتجسد. الأهم، أن نتخلص من التجاهل، وننتقل بعلاقتنا، المتطورة بسرعة منذ البداية، إلى مرحلة أخرى. المرحلة الحالية تصيبني باحباط قد يسعدك، ولكنّه يقتلني ببطء، وأنا لا أوافق على قتلي بهذه الطريقة.

Saturday, October 22, 2011

هو انت تقدر .. تقدر تسلاني؟

قضيتُ اليوم نائمة تماما. أصحو قليلا، أتذكّر أحلامي ثم أعاود النوم. تداخلت الأحلام بما حدث فعلا بما كنت أفكّر فيه. واختلط الأمر عليّ تماما. لا أعرف الحقيقي من الوهمي.

ولكنّي أتذكّر حلما واحدا واضحا: كنت أنظر في ناحية بعيدة عنك، ولكنّي كنتُ أعرف أنّك تمسك يدي. كنت سعيدة ومرتبكة. وكنت أحرك يدي طوال الوقت لأستشعر ملمس يديك، وكانت سعادة فوق الوصف تنتابني عندما تحرك يدك وتضغط على يدي. تحركتَ فجأة وابتعدتَ، ولكنّي كنت ما زلت أشعر بيديك، نظرتُ إلى يدي فوجدت أنني أمسك إحدى يديّ باليد الأخرى، وأنني كنت أقنع نفسي أنّك تمسك بها. ملأني الخزي، شعرت بمهانة لا حد لها. بكيتُ في الحلم بشدّة، وأنت تبتعد. واستيقظت من النوم أبكي. كانت أم كلثوم تتسائل للمرّة الألف منذ أمس: "هو انت تقدر .. تقدر تسلاني؟"

قال لي أحد أنّك تحب واحدة أخرى. ولا أدري حتّى هذه اللحظة إن كان هذا حلما أم واقعا أو توقعا. ولكنّي أحتفظ داخلي بحسد ونقمة ينهشان داخلي الممزق أيا كان. وكرهتُ هذه البنت للأبد. حتّى لو كان الأمر مجرّد حلم ووهم في رأسي، سأظل أكرهها. يكفيني تآكلي النفسي ليجعلني أكرهها تماما.

فتحتُ صفحتك ألف مرّة، أبحث عنّي. ولم أجدني. عدتُ للوراء، أبحث عنّي عندما كنتُ موجودة، فبكيتُ. وغنيت مع أم كلثوم :"كنت أشتكيلك .. تواسيني". قرأتُ نصا كتبته عنّك آلافا من المرّات. استعدتُ تعبيرات وجهك وملمس يدك آلافا أخرى من المرّات. وبكيتُ بكيتُ. سألتُ نفسي: "لم فعلتُ هذا؟" ولم أجد إجابة. كرهتُك، وكرهتُ نفسي. ثم بكيتُ مرّة أخرى وفتحت صفحتك أبحث عنّي، لعلّك تكون كتبت شيئا جديدا في الخمس دقائق الذين كرهتك فيهم. لم أجد. فبكيت وأعدت المقطع مرّة أخرى :"هو انت تقدر .. تقدر تسلاني؟"

لا أكتبُ لأكفّر عن ذنب. لا أكتب لأُعلمك. أكتب لأنني لا أستطيع تحمّل كل هذا وحدي لهذه الدرجة. أكتب لأن الكتابة هي الشريك الوحيد، هي التي تستوعب كم انفعالاتي ونزقي. أكتب لأنني خائفة ووحيدة وضعيفة وهشّة. أخشى أن يعجز جسدي وروحي عن تحمل كل هذا، فينوءا بالحمل ويسقطا. أنا أخشى الموت. أخشى أن أموت وحدي، أخشى أنني عندما أكون على وشك الرحيل، لن أجد بجانبي سوى بشر يحبونّي، ولن أجد أحدا أحبه. سأموت وحيدة وغريبة. لا، لن أموت الآن. سأكتبُ.

أحملُ الكثير. همومي ستقتلني. وتعبتُ من العالم. تعبتُ من العالم جدّا. تعبتُ من فكرة "الوجود" ذاتها بشدّة. هذه انتكاسة. يبدو أنني أعود لمرحلة تركتُها من فترة. أو ظننتُ أنني تركتُها. نكوص. سأعود للهذيان، سأعود إلى الأحلام المرتبكة، للبكاء، وللأسئلة الوجودية، للخوف، ولكراهية قواعد اللعبة المفروضة.

واكتشفتُ في أحد استيقاظاتي أن البارانويا، الدموع القريبة، الحفرة التي أشعر بها تنمو في الداخل، عدم التفاعل، والرغبة في الانزواء- هذه كلّها ليست سوى أعراض لمرض غامض.

يمكن اجمال الأعراض في كلمة واحدة: الهشاشة. هشاشة نفسية تعذبني. استندتُ على قشرة جليدية هشّة لبحيرة، وتخيّلتُ أنّها قادرة على حمايتي. وأفقتُ فوجدتُ أن القشرة لم تحتملني، فتفتت. انهارت القشرة الضعيفة وتركتني أسقُط. أنا الآن أستقبل الماء البارد الذي هو على وشك التجمّد. أشعر بالبرد والخوف والظلام. أنا وحدي.

هذه ليست أعراض انسحاب الحب، ليست أعراض قساوة العالم، ولا حتّى أعراض الضغط العصبي. هذه أعراض لمرض أجهل اسمه، وأعرف أعراضه جيدّا. وأعرف أنّ تدهور حالتي بدون علاج يأخذني من يدي إلى اكتئاب حاد تأخر ظهوره كثيرا.

أنا خائفة جدّا، ووحيدة جدّا. لا أطيق وجودي، وأخشى الموت. وهذا كلام مكرر جدّا، وهذه خطورته.

Friday, October 21, 2011

لحظة شفافة أخيرة

كنتَ شفافًا جدّا، وجميلا. أرى قلبك واضحًا. ينتفض من دقة وأخرى. أرى نبض الألم يسري من ركن لآخر. وأرى روحك تُلاحقك لتمسكه، تحاول منعه من تمزيقك بالكامل. كنتُ أفكّر أنني لو مددتُ يدي الآن، في هذه اللحظة تحديدا، سأوقف الألم. سأمسك قلبك جيدّا برفق حاني،  أمنع انتفاضاته. وربما أستطيع ايقاف النزيف. الكرسيّ الذي يتمايل إثر الموج، جعل الألم مضطربا، موجعا أكثر. وددتُ لو أتشبث بك، لو آخذ قلبك وأضعه في قلبي. لو أنقل لك طاقة حياة وحب، امتلكتُها في هذه اللحظة فقط. أردتُ أن أنفخ في العكار الذي ملأتُ به قلبَك، أزيحُه تدريجيا ليسقط عن حوافّ قلبك المستديرة الدافئة. وددتُ لو كنتُ أقرب، وودتُ لو كنتَ أقرب. لم يكفني التصاق روحي بروحك، لم يكفني تطفلي على قلبك وعلى عينيك، وددتُ لو ألتصق بك، لتسكرني رائحتُك كما تفعلَ دائما. أردتُ لو أستعين بألم قلبك لأزيل صلادة قلبي. لو أمكنني أن أنحّي القسوة بعيدا، أن أتخلى عن الغربة والوحدة. أن أحمل قلبك، بأوجاعه، داخلي. أضعه بجانب قلبي، ليأتنسا. لنتفرّغ نحنُ لحياتنا، دون أن نحمل عبء القلب على أكتافنا. لو ننحي قطيعتنا، للحظة واحدة أقبلّك فيها، أبتلعَ ريقك كما كنتُ أفعل، نمزّق الصمتَ الذي طال. للحظة واحدة. فقط لهذه اللحظة. لو أمكننا أن ننظر طويلا في أعين بعضنا، لو تدعني أنظر في عينك، لو يدعنا الموج. لو يدعنا. لو تدعني. لو ترحمني القسوة. لو تتركني الصلادة. لو أحتضنك. لو مارستُ الحب معك لمرّة واحدة أخيرة. لو أستسلم لايقاع الأغنية، وأرقص. لو تحتضنّي. لو مارستَ الحب معي لمرّة واحدة أخيرة. لو رقصتَ معي. لو نتلامس. لو نعود لصورتنا الأولى. لو يأخذنا سحر القديس. أو لو أدع قلبي لك. لتزيل عكارته. لو ندخن سيجارة واحدة أخيرة معا. منعني الموج، ومنعني الخوف. منعني الشكّ والضعف وقلّة حيلتي في قلبي. منعني عدم يقيني في قدرتي. منعني العكارُ داخلي، والعكار داخلك الذي أوقن بمسؤوليتي عنه. منعني البعد. ومنعتني الصلادة. اكتفيتُ بتربيتتي على كتفك، الجزء الأصلب فيك، اكتفيت برأسك على كتفيّ، الجزء الأصلب في، واكتفيتُ بلحظة الصمتِ التي طالت، فزودّت العكار والصلادة. اكتفيتُ باللحظة، وأخذتُ نُسخة من ألمك، ووضعتُها بجانب ألمي، ليأتنسا.

Wednesday, October 19, 2011

مزاج صباحيّ

لستُ حزينة ولا سعيدة ولا مرتبكة ولا مكتئبة ولا مستمتعة ولا زاهدة ولا متفائلة ولا متشائمة ولا متفاعلة ولا منطوية ولا حادّة ولا مُرحبّة ولا متمردّة ولا مستسلمة ولا مفكرّة ولا مستهلَكة ولا واثقة ولا متشككة ولا مبدعة ولا مكررة.

أنا فقط أخشى التواصل، وأفضّل الانزواء.

Saturday, October 8, 2011

تماما كما أردتُ

يحاصرني كل ما كنّا ننتظر حدوثه، وكل ما حدث بالفعل.
أقول لنفسي أن الأمر انتهى تماما كما أردتُ، وأتصنع عدم الاهتمام.
ثم أعود لأراقبك من بعيد؛ أتشمم أخبارك، وأتحسر على لحظات ضائعة، كنت أتمنى أن أشاركك فيها.
أحاول الهرب من الأماكن التي طبعناها بلقاءاتنا، والأماكن التي تحمل رائحتنا مسبقًا، وأحاول الهرب من رائحة جسدك التّي أصحو في الليل على هجومها.
وأكتشف أن المساحة التي خصصتها لك بداخلي، لم يأخذها أحد قبلك، ويبدو أنّك عرفت كيف تشغلها.
وأعترف لنفسي، أنني لم أقدر حجم وجودك داخلي بدقّة، وأنني سأواجه الآن غربة الحياة بعيدا عنّك.
يقلقني ألمك .. عزاؤك وعزائي أنني أتألم كما لم أفعل من قبل.