Tuesday, July 12, 2011

سقوط حر

أسقط، وهو ليس حلما للأسف. أعني تماما الأربعة أحرف حرفا حرفا. "أسقط". أكررها لنفسي كتسبيحة. في الشارع، قبل النوم، خلال استماعي لمناقشة، وأثناء تقوقعي على نفسي في ركن السرير. ـ 
ماذا يحدث إذا ألقينا جسما من على تل مرتفع؟ نظريّة السقوط الحر، وهي نظرية علميّة شهيرة، تقول أن الجسم الساقط، بإفتراض انعدام مقاومة الهواء، وبفرض أن سرعته الإبتدائية كانت صفرا، ستزيد سرعته كل ثانية بما يساوي قيمة عجلة الجاذبية الأرضية، بحيث تصل لقيمتها القصوى مباشرة قبل اصطدامه بسطح الأرض. ـ 
لا أرض تحت قدميّ أقف عليها. لا شيء ثابت من حولي. كأن الأشياء تتحرك عنّي مبتعدة، والحقيقة أنني أنا التي تسقط. الأشياء ثابتة، أنا أراها ترحل عنّي.. أنا التي ترحل نحو القاع. القاع البعيد. سأملّ وضع السقوط قريبا، أريد أن أصطدم بالقاع. أن تزيد سرعة سقوطي لقيمتها القصوى فأصطدم بالقاع وآخذ أكبر جرعة ألم ممكنة. ـ 
المشكلة أنني لا أعرف أين سطح الأرض، لا أعرف عمق الحفرة. ولكنّي أسقط ولا شيء يقاوم سقوطي. والهواء المحيط ينظر إلى سقوطي، ويلومني عليه بدون أن يقاومه. وأنا فعلا لا أريد منه أي مساعدة. كل ما تستطيع المقاومة فعله هو تأخير السقوط، لكنّه حتميّ. وأنا أريد القاع. ـ 
وفي رحلة السقوط، لا شيء مسل. أمل الكتب، الناس،الشوارع، الأفكار، الكلام، الصمت، الموسيقى، أملّ نفسي. ألقي بالأشياء تباعا، وأنظر للأشياء القليلة الباقية معي بغربة. وأنظر للأشياء التي تدعي الثبات، في حين أنّها من وجهة نظري تبتعد، بغير فهم. وكل ما أفعله هو أن ألاحظها، وأكتب، ثم أمزّق ما كتبته. ـ 
عندما أصل للقاع، سأنظر للجبل الذي سقطت منه، فلن أرى شيئا. سيزيف كان غبيّا. لو كنت مكانه، وسقطت منّي الصخرة، لرميتُ نفسي وراءها. عندما أصل للقاع، لن يكون للجبل معنى. السقوط حُر، ولكن الطيران يحتاج مجهودا. وأنا لست طائرا على أية حال، ولا أريد أن أكون. ولا أريد أن أعود. سيكون الجبل جدارا تافها لا معنى له. عندما أصل للقاع، سأنظر لكل الثوابت وأنعتها بقلة التجربة. عندما أصل للقاع، سأنعت الجبل بالجمود، والبشر بالغباء، والقدسية بالافتعال. ـ

1 comment:

  1. استمتعي بسقوطك .. فمنه يُبتدأ الارتفاع

    أسعدني المقال

    ReplyDelete