Saturday, September 17, 2011

الآنسة: لا أحد

لا أتوقف عن التقمص. أحيانا تتلبسني أرواح لا أعرف أصحابها. أحيانا شياطين، أحيانا ملائكة. المُلاحظ وبشدّة أنني لا أعرف أيا منهم معرفة وطيدة.

 منذ يومين، دخنتُ سيجارتي بالطريقة التي تدخنها بها تشارليت في فيلم Lost in Translation. واليوم فكرّت بطريقة إرين في Next Stop Wonderland. تعيش معي طويلا شخصيات وودي آلن، في حين أتكلم كثيرا بطريقة كاثرين كيلي في Stranger than Fiction. تتلبسني ساحرة قوطية، مديرة تسويق أمريكية، مخرج فرنسي، مزارع اسكتلندي، راقصة أرجنتينية، وباحث تراث إسباني، وكثيرون غيرهم. لدرجة أنني أفكر في تسميتهم بأسماء أعرف بها وجودهم.

المؤمنون بتناسخ الأرواح يعتقدون أن بموت الكائن الحي، تنتقل روحه لكائن آخر. لستُ متأكدة من وجود تمارين روحية تزيد من قدرتنا على اتصال ما، يجعلنا قادرين على معرفة الكائنات التي سكنتها أرواحنا قبل أن تسكنّا. عموما، يبدو أن خللا ما حدث في منظومة التناسخ الخاصّة بي، جعل أكثر من روح تأتي إليّ، في حين أخطأتني الروح الأصلية، التي لابد وأنّها تعذب مسكينا آخر في مكان ما، أو تائهة إلى الآن بلا جسد.

أتذكر جملة لصديقة عزيزة في يوم مشمس، وفي حديقة هادئة، وجلسة تجليّات. قالت:"بحس إن روحي محبوسة في جسم مش بتاعها". وأنا نظرتُ لها ولم أعلّق، وبكيتُ. مرّ على هذه الجلسة شهور طويلة، كانت حالتي النفسية سيئة، كنت ممزقة بين الاختيارات، وأفكر في عواقب كل اختيار، كنتُ أشعر بنفسي محبوسة ومقيدّة في علاقة لا أريدها، وكنت أظن أن انتهاء العلاقة سيحررني. حسنا، لقد انتهى كلُّ هذا الآن. وتحررتُ. تحررت للدرجة التي فتحت لي كل الآفاق مرّة واحدة. تعددت الاختيارات، ولكنّها أصبحت مائعة وقاصمة في ذات الوقت. إذ لا يهمني أي منها مع أن كل اختيار منها يستطيع أن يقلب الكفّة في لحظة. ولعبقريتي الفذة في التعامل مع أزماتي، زادت حالتي النفسية سوء. وذهبت صديقتي، ولم أرها بعدها إلا من أيام قليلة. كانت الجلسة مختلفة. صاخبة، على قهوة في وسط البلد، ولم تكن جلسة تجليّات، كانت استشارات ومحادثات قصيرة مبتورة لضيق المكان وضغط الصحبة. قالت:"أنا دلوقتي حاسّة إن أنا أنا". وفكرّت بعدها أن الناس يجدون أنفسهم، ويصدقون، وأنني وحدي أبقى على الحافة ولا أصل للعمق. 

قلتُ لنفسي، ليكن. عموما، أنا مللتُ الكلام عن البحث عن الذات والغربة في الحياة والروح الحقيقية. لا أكذبه، ولكنّي مللته. وأخذتُ قرارا، قلتُ إن لم يكن من التلبس بدّا، فلأعشه لآخره. وقلتُ من الآن فصاعدا، سأختار الشخصيات التي تتلبسني، وأسمّيها، وأختار لكل يوم واحدة، أبدأ بها يومي وأودعها قبل النوم. ولنبدأ بالآنسة: ¨smiley face، التي تسكت طويلا، وتبتسم قليلا، وتهز رأسها وتراقب طوال الوقت.


2 comments:

  1. وأنني وحدي أبقى على الحافة ولا أصل للعمق.

    ReplyDelete