Monday, June 20, 2011

ولا تُصدقني .. أعود ولا أعود

تقول صديقتي: "الأحلام الكتيرة كويسة .. اللي بيحلم كتير بيبقى متصالح مع ذاته الداخلية". أجيبها: "فعلا؟" وأبتلع إجابتي الأخرى: "بس أنا مش متصالحة مع ذاتي .. يعني ايه أصلا متصالحة مع ذاتي؟".
أريد أن أخبر الجمع الصغير الطيّب عن أحلامي ولكنّي أتراجع. أفكر في أن أحكي أحلامي المخيفة لصديقتي التي تهاتفني يوميا لتطمئن أنني ما زلت حيّة، ولكنّي أتراجع كذلك. أفكر أن أحكي لصديقي والذي لدي معه أغرب وأمتع علاقة في حياتي، وأتراجع. أخشى أحلامي في كل الأوقات. أخشاها وأنا بداخلها، أخشاها وأنا أتذكرها، وأنا أحكيها، أخشاها حتّى قبل أن أحلمها.


أستيقظ من النوم وأنا أبكي بشدة. قريبة لنا ماتت في الحلم. وكنت مسؤولة عن موتها إذ كان عليّ أن أعود مبكرة للمنزل، ولم أفعل. اندمجت في حديث عبثي تماما مع شخص يثير غيظي كلما رأيته، ولم أعد للبيت في الوقت المناسب. وسبّب هذا موتها بشكل ما. أبكي كثيرا في الحلم، وأستيقظ في اللحظة التي كنت سأموت فيها من ضيق التنفس في الحلم. عانيتُ من ضيق التنفس بعدما استيقظت، ولم أمت كذلك. بكيتُ كثيرا كالعادة. تذكرت أنني لم أزر قريبتنا هذه من مدّة طويلة. لم أقرر أن أزورها، واندهشت من أنني لم أقرر. رد الفعل الطبيعي أن أزورها، لكنّي لن أفعل. لا أريد.


أريد أن أحلم بأشياء معينة. لماذا لا أمتلك هذه الرفاهية؟ أركز ذهني قبل النوم في الألوان والأشكال الوهمية. أريد أن أحلم أحلاما لا أفهمها. لا أريد أحلاما بهذا الوضوح. تُخيفني. أنا خائفة بما يكفي في واقعي، ألا يوجد أمان حتّى في الأحلام؟ الأحلام انعكاس للواقع، وهذا ليس عدلا.


يقول لي صديقي الذي تُمتعني علاقتي به: "كملي وما تخافيش .. انتي شجاعة". وأردت أن أخبره أنني خائفة فعلا. وأنني لست شجاعة. وسكتُّ. العالم بالنسبة لي واسع لدرجة الوَحْشَة، ضيّق لدرجة الاختناق. البعض يقول: أحتاج أن يحتضنّي أحد. أنا لا أحتاج حُضنا. أنا لا أحتاج شيئا. أنا أريد أن يكف العالم عن احتضاني. "يعتقني". ينزاح عن صدري، يدعني وشأني. أنا لم أنم طول الليل. أنتظر أن يحدث شيء. أي شيء. وخاب أملي. لا شيء يحدث لي. روحي تثقل عليّ. والعالم يضيق من حولي. غُرفتي صارت أضيق من المستطاع. الكُتب فارغة. التليفزيون مزعج. الموسيقى سهلة. كُرسييّ عربة المواصلات لا يسعانّا أنا وجاري في العربة، فيلتصق بي. والعالم لا يسعني أنا والبشر جيراني في الحياة فيجلسون فوق صدري. والبُكاء صار مبتذلا. الشكوى مبتذلة. الضحك مبتذل. التفكير مبتذل. كل الأشياء مبتذلة. أنا نفسي.


يقول لي صديق:"فترة وهتعدي". وأريد أن أخبره أنّها "مش هتعدي". وأصمت. إذ لا فائدة من التعقيب. الشوارع حارّة ومزدحمة بالحماقات. أكره ملابسي والحذاء. يكتمون أنفاسي. أكره الشنطة على كتفي. أكره نظرات الناس. أكره أن أكون وحدي. أكره اختلاطي بالبشر. أكره كل الأشياء. أكره الشيء وأكره مقابله. لا أريد شيئا. لا شيء يستحق. كل شيء عديم القديمة وكل شيء لا يؤدي إلى شيء، لم كل هذا العبث إذن؟


يقول:"بحتاجلك". تقول:"بحتاجلك". يقولون:"بنحتاجلك". وأنا أبذل قصارى جهدي ألا أترك أحدا في حاجة. الجملة المتوقعة التالية:"وأنا مين هيديني اللي بحتاجله؟". ولكنّي لا أحتاج شيئا. لا أحتاج شيئا. أحتاج نفسي. أحتاج أن أكون أنانية بما يكفي. أحتاج أن أكره العالم بما يكفي لأن لا أشفق عليه. أحتاج ألا يحتاجني أحد. لا أحد يفيد أحدا بشيء. لا معنى لأي شيء. لا، لا أريد أن أموت. لن أموت.


ظلم. ظلم بيّن. ماذا سيضير العالم أن يمنحني شيئا جيدّا أصدقه؟ هل قلتُ من قبل أن العالم عادل؟ ليس عادلا.  مُجحف. أنا انتظرت الليل كلّه، أنا أنتظر من أسبوع، أنا أنتظر من شهور، أن يحدث شيء جيد.. لم يحدث. لن يحدث. متأزمة جدّا من كل شيء حولي. من كل شيء داخلي.


- "انتي مش ناوية ربنا يهديكي بقى؟"
- "مش عارفة .. ما تسأليه؟"



- "انتي مش ناوية ربنا يهديكي بقى؟"
- "لأ .. مش ناوية"

4 comments:

  1. مع كل السـوا اللي ف الدنيا

    يمنحنا البوح طـاقة وبراحًا متسعًا
    ربما ليس لأن ما تكتبين نتفق معـكِ فيه

    ولكن لإنه طالع من جوَّه ، وخليتينا نحسًّه قوووي


    جميل ،،، جميــــل فعلاً

    .
    .
    العالم بالنسبة لي واسع لدرجة الوَحْشَة، ضيّق لدرجة الاختناق. البعض يقول: أحتاج أن يحتضنّي أحد. أنا لا أحتاج حُضنا. أنا لا أحتاج شيئا. أنا أريد أن يكف العالم عن احتضاني. "يعتقني". ينزاح عن صدري، يدعني وشأني. أنا لم أنم طول الليل. أنتظر أن يحدث شيء. أي شيء. وخاب أملي. لا شيء يحدث لي. روحي تثقل عليّ. والعالم يضيق من حولي. غُرفتي صارت أضيق من المستطاع. الكُتب فارغة. التليفزيون مزعج. الموسيقى سهلة. كُرسييّ عربة المواصلات لا يسعانّا أنا وجاري في العربة، فيلتصق بي. والعالم لا يسعني أنا والبشر جيراني في الحياة فيجلسون فوق صدري. والبُكاء صار مبتذلا. الشكوى مبتذلة. الضحك مبتذل. التفكير مبتذل. كل الأشياء مبتذلة. أ.

    ReplyDelete
  2. يبدو أن أعيننا صارت تمتص كل الألوان .. فلا نرى إلا الظلام

    تعقيبا على مضمون الكلام ..

    الأحلام عالم واسع في الطب النفسي و الدين .. و لا يجوز اختصاره أبدا لجملة .. "الأحلام انعكاس للواقع" ..

    ثانيا .. من قال يوما أن الحياة عادلة .. الحياة خشنة صلبة و علينا أن نكون كذلك

    و لكن لنا رب عادل نثق في عدله و كرمه .. و قد أخبرنا أنه حرم الظلم على نفسه .. و أن الحياة ليست دنيا فقط .. إنما دنيا و آخرة .. و أنه تعالى لا يجمع على عبده أمنين و لا خوفين .. فمن خافه في الدنيا أمنّه يوم القيامة ..

    ثالثا .. نحن نرى ما نريد رؤيته .. مثل إنجليزي من الكلاسيكيات ..

    يعني إن كنت ترى التخبط فأنت متخبط و لا مناجاة لك .. احسم أمرك و توكل على الله .. اقتنع بأن الأمور أبسط مما تعتقد لأنها بالفعل كذلك .. فمفتاح أضخم الأبواب دوما ما يكون صغيرا بما يكفي لأن تحمله في جيبك

    أخيرا .. "أنتِ مش ناوية ربنا يهديكِ بقى ؟؟" .. ذكرتني بآية من آيات القرآن العظيم ..

    يقول تعالى : "و مَنْ يُطِعِ اللّه يَهْدِ قَلْبَه" .. و قد سُأل أحد العابدين عن عبادته فقال: عبدت الله أربعين عاما .. عشرون منهم أرجو منه أن يهد قلبي .. و عشرون أستمتع بمعية الله

    ردا على عبارات بعينها في تلك القصاصة :

    أنتِ قوية إذا أردت ذلك فقط .. و الله المستعان ..

    تنتهي جميع الطرق .. لأن هذه سنة الله في كونه .. لا طريق يمتد إلى الأبد

    ReplyDelete
  3. استكمالا للتعليق .. و تعليقا على أدبيات القصاصة ..

    أسلوب قوي .. له احترامه و حضوره ..

    ترابط يشعر القارئ بأن القصاصة كلها "على نفس الموجة" ..

    الخلاصة .. أسعدتني القراءة لكِ .. بالتوفيق إن شاء الله

    ReplyDelete
  4. يقول:"بحتاجلك". تقول:"بحتاجلك". يقولون:"بنحتاجلك". وأنا أبذل قصارى جهدي ألا أترك أحدا في حاجة. الجملة المتوقعة التالية:"وأنا مين هيديني اللي بحتاجله؟". ولكنّي لا أحتاج شيئا. لا أحتاج شيئا. أحتاج نفسي. أحتاج أن أكون أنانية بما يكفي. أحتاج أن أكره العالم بما يكفي لأن لا أشفق عليه. أحتاج ألا يحتاجني أحد. لا أحد يفيد أحدا بشيء. لا معنى لأي شيء. لا، لا أريد أن أموت. لن أموت.


    من العبث التعليق على على كلامك أصلًا.

    بس حبيت أكون موجودة هنا.. ومش هتموتي، بالمناسبة :)

    ReplyDelete