Sunday, May 27, 2012

أبدًا، لا تصدقني

ما مدى صدق ما أكتبه عن نفسي؟

لم أفكر أبدا أن شخصا لا أعرفه وبعرفني، يقرأ ما أقوله. أعترف دائما لمن يدهشه ما أكتبه من الأصدقاء "بشرّد لنفسي، عادي". وأدعي أن من يقرأ هم هؤلاء الأصدقاء، أو أشخاص لن أعرفهم ولن يعرفوني. فكرتُ مؤخرا إثر حادثة احتكاكي بقاريء للمدونة؛ هل ما أكتبه هنا حقيقي؟ لنفترض أن شخصا لا أعرفه، يقرأ المدونة، ثم تعارفنا. لنفترض أننا جالسون الآن وجها لوجه نتكلّم، فيم سيفكّر؟ سيقارن بين صورته المتخيلة عن شخصيتي والواقع الذي يراه. "هي بتقول كذا، بس بتفكر كذا" لو حدث هذا، سأمقته جدّا. سيدعي أنه يعرفني جيدا؛ يقرأ كل ما أكتبه. وسيفترض، يفترض، يفترض. ولكن الواقع مغاير. أعي تماما حقيقة أنني أكتب الأشياء لأتخلص منها. ذاكرتي لا تسمح لي بتذكر كل شيء. مثلا، عندما أعود لتدويناتي القديمة، لا أتذكر فعلا من كنت أقصد بما قلتُ. لا أتذكر ملابسات الموقف. ما يبقى من كل ما أكتب عنه، هو ما أكتبه فعلا. بالأمس حلمتُ حلما سيئا جدا، وكنتُ سأموت خزيا ومهانة في الحلم؛ فاستيقظتُ بعد ساعة واحدة من نومي. كان الحلم جليّا في ذهني. كتبته. قمتُ لأغسل وجهي، وفي طريق عودتي للسرير، كان الحلم قد بدأ في التبخر بالفعل. كل ما أكتبه، يبدأ في التبخر أثناء كتابته. بعد أسبوع على أقصى تقدير، ستكون هذه التدوينة مجرّد كتابة. الأطرف، أن حتّى محاولة استنتاج سمات ثابتة لشخصيتي أمر عبثي. السمة الوحيدة الثابتة أنني شخص هوائي ومتقلّب الأطوار بشدّة. لم أعد البنت التي تتحدّث عن التفاصيل بهذا الاهتمام، ولا البنت التي تتحدّث عن سأم الحياة بهذا الابتذال. ولا أحب ما كتبته سابقا، وأراه مملا. الكتابة فضيحة لا بدّ منها. ولكن لا يجب أخذها بهذه الجديّة. ولا يجب أخذي أنا ينفسي بهذه الجديّة. لديّ من الخفة ما يمنحني امتياز التقلّب، ومن الثقل ما يكفي، للكتابة. وأوازن بينهما بالنسيان.

2 comments:

  1. ما سر الطفرة في عدد تدويناتك من العام الماضي...ولماذا أم كلثوم؟وماذا يبقى من فرضيات القارئ المجهول عنك، وإن كان لا يعرف أي حقيقة عن واقعك، فهو يعرف على الأقل ما يفرزه هذا الواقع، لن يقارن لأنه سيكون مشغولاً بصورتك وتأمل ملامحك، الإنسان في اللقاءات الأولى أتفه في ذلك، غالباً سيخرج بانطباع مفاده أنها ليست كما كنت أتصور، غالباً سيريد أن يقابلك مجدداً لأن غزارة الكتابة أحد العلامات التي تشهد لصاحبها بأنه جدير بالاهتمام، ولماذا أظل أنونيمس، لأننا لا نعرف بعض في الحقيقة، ولربما نتقابل يوماً، فأحب أن نبدأ لقاءنا من مجاهيل متعددة، أكتب أنا أيضاً وربما تكوني تقرئين ما أكتب، هذا يجعل العلم والجهل والشغف بالمعرفة متساويان، ليس بيننا فقط، لكن في كفة العالم أجمع، المعرفة والجهل في الهواء الفاصل ما بيننا الذي لا نعرف كم من المسافة يشغل، لو افترضت أنكِ قاهرية وأنا قاهري، فالقاهرة الكبرى بها الكثير من المجاهيل والكثير من العلم، الحياة أحياناً تصبح مثيرة للاهتمام

    ReplyDelete
    Replies
    1. شكرا على إثارة شغفي وفضواي، وهي أشياء نادرة الحدوث لو تعلم :)

      Delete