Thursday, November 8, 2012

نشرة الأخبار



*  كُنتُ في زيارة لأمي. وأنا جالسّة على كرسيّ موضوع مباشرة تحت الضوء، مالت عليّ أمّي وهي واقفة لتخبرني شيئا. كانت عيناها واضحتين تماما، تشبهان عينيّ. وقلتُ لنفسي أن هذه أوّل مرّة ينظر فيها كل منّا لعين الآخر بهذا القُرب. لم أسمع شيئا مما قالته، ولكنني تسمرّت في مكاني، ثم غالبتُ دمعة لا أعرف سببها. كنتُ خائفة من نظراتها. كأنّها ستكتشف شيئا خبأتُه عنها. فكرّت قليلا، ثم وضحتُ لنفسي أن لا شيئا أخاف منه. ثم وضحتُ أكثر وقلتُ: أنا أكتسب عقدًا نفسية أكثر مع الوقت. صار لديّ الآن إحساس بالذنب، وخوف كالفطريّ ينبعان من اللا شيء.

* رأيتُ صديقا يضع رابطا لمدونتي في صفحته، ويصفها بأنّها من أجمل ما قرأ. فتحتُ مدونتي كالغريبة عنها، وقرأتُ ما كتبته عن نفسي طوال أعوام. كيف يحتمل أشخاص أن يقرأوا كل هذه الترهات، ولا يملّون؟ كل ما أكتبه عن نفسي مكرر. نفس الأزمات ونفس المفردات ونفس الأسلوب. نفس الحنق والملل. ما يتغيّر كل مرّة هو كميّة العبث والأسى الذي أشعر به نحو العالم. الأهم: كيف أحتمل أنا نفسي أن أعيد كل مرّة نفس الأشياء، وأدعي بفخر زائف أنني كتبتُ شيئا "جديدًا"؟

* دائرة الأشخاص الذين أعرفهم تقل مع الوقت. ودائرة المقربين تقل أكثر. ويبدو أنني اكتسبتُ مع اختلالاتي النفسية قدرة عالية على تنفير الجميع منّي. مرّة بالحدّة، مرّة بالتجاهل، مرّة بالنسيان، ومرّات أكثر لأسباب لا أعرفها. الجدير بالذكر هنا هو أنني لا أتعمد شيئا. أنا أترك كل شيء لاختلالاتي النفسيّة وهي تفعل ما تستطيع وأكثر. وتبهرني بقدرتها على فعل أشياء لم أعرف يوما استطاعتي إياها. مثلا: لا أرد على المكالمات. أنظر للهاتف وأتظاهر لنفسي أنني لا أسمعه. مثلا: أقترب من الفيسبوك بمعدل يقل تباعًا. مثلا: أرد بسخافة على أي محاولة للتقرب. وأنا فعلا لا أعرف سببا حقيقا يجعلني أفعل هذا.

* على الرغم من هذا، فإن أشياء صارت أقرب عمّا مضى. يعني، لو استثنينا الكتابة والكتب والموسيقى والنقاشات والأصدقاء والخروج إلى الشوارع وقراءة الأخبار والتواصل مع إخوتي والجلوس على المقاهي وحتّى الأكل –وهي كلّها أشياء ثانوية كما يبدو، بغض النظر عن كونها مفردات شخصيتي أصلا- نجد أن مفردات أخرى  أصبحت تلازمني أكثر مما مضى. مثلا: الصُداع، الدوار، آلام القولون، والضجر. لا يعنيني من هذه الأشياء فعلا سوى الضجر. لو أُضيف إليه الأرق، وطول أوقات الفراغ التام –تام بمعى الكلمة- يتحوّل الأمر لكارثة. مثالا بسيطا؟ الساعة الآن لم تتجاوز الثالثة عصرا. ولأنني نمتُ كل النوم الذي استطعته، فهذا يعني أنني وحتّى تُصبح الساعة الثانية عشر ليلا على الأقل لن أستطيع النوم مجددا. ما يعني بالضرورة تسع ساعات فارغة لا أعلم أي شيء عما يمكنني فعله خلالها. آه، إضافة أخرى: أحلامي صارت أقرب لكونها كوابيسا مفزعة لطيفة. أجساد حيّة متحللة وعليّ إحراقها، ودماء تلطخني، وعويل، وأشخاص مقربين أقتلهم بلا سبب. صار لديّ يقين لا أدري منبعه أن كارثة ستحل بالعالم قريبا، أو بي على الأقل.

* عموما عموما، أنا بخير فعلا. نوبات بكائي برغم أنّها صارت أقسى إلا أنّها أقل. أتصالح مع يأسي ومللي بدرجة أكبر. أكتسب مهارات التحديق في السقف وفي الحائط وفي أرضية المترو. أتعلم أن أقضي ساعات وأياما بدون فعل شيء، أي شيء. أصبحتُ أقل فزعا من الأحلام، وأكثر تصالحا مع الوحدة. وقريبا سأنهي المأساة وأتصالح مع الضجر. أنا أحسن فعلا. هدأ كل الغضب والثورة والانفعالات الزائدة، نعم حلّ محلهم الركود. لكن من يدري، ربما كان الركود أحسن فعلا. ومن يدري، ربما أستطيع يوما تحقيق حلم حياتي، وأتصالح مع العبث. 

من يدري فعلا؟

1 comment:

  1. لما باجي هنا بحس اني مش لوحدي
    مش عارفة ده كويس والا لأ
    بس بكون مبسوطة لما الاقيكي كاتبة حاجة

    ReplyDelete