Sunday, June 24, 2012

إدراكات ما قبل الامتحان بساعة واحدة

اليوم صباحا، كنت في طريقي للجامعة، أستمع لأغنية لطيفة، أقنع نفسي أنني بخير، وأن مشكلاتي مع الوجود مشكلات عبثية ستزول بمجرد النزول ومقابلة الأصدقاء والثرثرة عن الأشياء ليست ذات الأهمية. أنني شخص يمتلك كل مقومات الحياة السعيدة، فلا داعي للـ "أفورة".
ركب معي الميكروباص شيخ كبير في السن، كبير السن لدرجة مؤسية. رأى الأوتوبيس الذي يريد استقلاله قادما من ورائه، فطلب من السائق أن يشير له، وأن ينزل ليركبه. تعاطف معه سائق الميكروباص، وسائق الأوتوبيس، وتوقفت الحياة قليلا، وتوقف كل شيء يدور في رؤوس الحاضرين للموقف. صار لنا هدف واحد: أن ينزل الرجل، أن يركب الأوتوبيس، وبأقل خسائر ممكنة له. "على مهلك ياحاج" "براحتك". شخص مد له يدًا لينزل، وآخر يمد يده ليصعد. نجحت المهمة، واستراح الجميع. وأنا تمتمتُ في سرّي "كويّس". ثم فكرّت أنني لا أتعاطف مع الأطفال إطلاقا، ولكنّي أتعاطف مع كبار السن لدرجة ملحوظة. ولاحظتُ أن اهتمامي به كان غير عادي. كنت أراقبه منذ ركبتُ، ارتعاشة يده، ذهنه البطيء، الخوف في عينيه، الألم الذي لا يزول من وجهه، وكل هذه التجاعيد. راقبتُ صعوده، وراقبته من نافذة الميكروباص حتّى جلس على كرسي، وعادت الحياة المتوقفة. ثم دمعت عيني. أنا مشكلتي في الحياة ليست الوجود، لا يهمني الأسباب التي جئت من أجلها. أنا أخشى النهاية. لا أريد أن أكبر. لا أريد أن أصبح عجوزا. عدم تفكيري في أشياء محددة كالزواج، والعمل والأحفاد، والتي قلت عنها في التدوينة السابقة، ليس منشؤه عدم اهتمامي بها، ولا عدم توقعي لها؛ إنّه خوف منها. مارس عقلي الباطن ميكانيزم الدفاع بكفاءة، فلغى كل هذه الأفكار. قلتُ لخطيبي بعد الخطوبة بوضوح: "أنا مش عايزة أكبر، مش عايزة ألبس لبس الناس الكبار، وأتكلّم زيّهم .. أنا عايزة أفضل أتنطط، عايزة أفضل أعيش نمط طالب الجامعة للأبد". أخشى ذهاب نضارة الشباب، أخشى أن أصحو في يوم بألم في عظامي، ليس له سبب سوى الشيخوخة. أخشى أن أصاب بالضغط والسكّر وأمراض القلب، وأعتبره أمرا عاديًا في هذه السن. أخشى أن أموت. ليس حبًا في الحياة، وأنا أعنيها. ولكنّي أرتعب من العجز، وأرتعب من المجهول. لا أقول أنني إذا احتفظتُ بشبابي سأمارس حياة الشباب. أقول فقط، أنني لا أريد أن يشيخ جسدي فيعجزني. لا أستطيع التصالح مع فكرة أن هناك أشياء لا يمكنني القيام بها لأن سنّي لا يسمح. قفز إلى ذهني مباشرة نموذج جلال في الحرافيش، فارتعشت، وانتفض جسمي انتفاضة مخيفة بتذكّر المئذنة. قلتُ أن قسوة وجودي أنّه سينتهي. وقلتُ أن من قسوته عدم وجود طريقة لايقاف الزمن. وأدركتُ أن اكتئابي وخوفي من التغييرات المتوقعة لحياتي في الفترة القادمة ليس سببهما الخوف من هذه الأشياء في ذاتها؛ ولكن خوفي من كون هذه التغييرات تجعلني أكبر. تجعل نمط حياتي أكثر استقرارا، نمط الكبار وليس الشباب الذين يقفزون بين كل الحالات بلا خوف. ثم فكرّت أن من المؤسي أن هذه فكرة "كبيرة". هذه من أفكار كبار السن، لأن الشباب على العكس يعيشون بدون التفكير في هذه التفاصيل بهذه الهيستيريا. الشباب يرتبط بالانطلاق، بالآفاق المفتوحة، بالرغبة في تجربة كل شيء. وهم لا يبدأون في التفكير في انتهاء الحياة إلا عندما يحققون ما يريدونه منها. هذا الرعب الهيستيري من الموت ليس ملائما. وإمكانية بناء مئذنة تخلدني مستحيلة. والخلود في الأبناء، في الإبداع، في السيرة الطيبة أشياء ليست ذات معنى واضح لي. أنا أنانية جدّا في هذا الشأن. أريده لنفسي، ولا يهمني أي مما يحدث بعد موتي. أريد على الأقل أن أعرف أين سأذهب. "المغرور ببقاء النسور" لقمان، عاش أعمارًا سبعة، فملّ. وعندما وصل للحياة السابعة كان أدرك حتميّة الموت، كان زهد الحياة، فأنهاها بنفسه. وأنا لا أريد عمرًا طويلا، أريد عمرا نضرًا. وأعرف جيدّا أنني كنتُ أعني تماما ما أقوله بـ "هنتحر قبل ما أعجّز". ستكون اشكاليتي الوجودية هذه الفترة أن أتصالح مع الموت، إذ يبدو لي التصالح مع الهرم مستحيلا. سأتصالح مع الموت وأنتحر بمجرد اقترابه.

ملحوظة جانبية: العلاقة الجدليّة بين رباعيات صلاح جاهين، وانتحاره، وسعاد حسني، وانعزالها ثم موتها المريب، من الأشياء التي يجب تجنبها تماما، أو الانغماس فيها بشدّة؛ لن يمكن أبدًا التعامل معها بحيادية، ولا الوقوف على مسافة منها.

2 comments:

  1. احيه !
    انا هنا حتي الثماله !
    لو وصلتي لحل قوليلي علي طول, انا واخده نفس قرارا الانتحار , بس موقفني موقفي من الموت و عدم ثقتي اني بكره الحياه ايا ما كانت بالشكل الكافي اني اتنازل عنها , انا انانيه في حقي اني احب الحياه زي ما هي !, بس يا تري هحبها و انا عجوزه!
    لا!
    يبقي هنتحر و خلاص بقي :)

    ReplyDelete
  2. غريبة وساعات كئيبةMarch 11, 2013 at 7:34 PM

    وانا كمان مش حابة اتجوز ومش حابة انى اعجز وفى نفس الوقت مش عايزة اموت ومش عارفة ايه الحل انا عندى نفس احسيسك وعندى مشكلة فى انى اتصالح مع نفسى ومشكلة انى اتقبل الموت وخوف من المجهول وكل الكلاكيع دى موجودة فى شخصيتى ويزيد عليهم احساسى بالغربة عن الناس حواليا

    ReplyDelete