Saturday, November 26, 2011

رويدا رويدا .. وعلى مهل

الحُب يؤلم. أعلم صلادتي وقسوتي، ولذلك آلمني الحُب بشدّة. الحُب الذي أتبادله مع أصدقائي جديد عليّ. أذهب إليهم في الميدان، أرقب حركاتهم، ونظرات أعينهم، وجوههم المستيقظة لتوّها، حميميتهم الدافئة، صدق مشاعرهم ونبلها، ونظافة قلوبهم- وأقول لنفسي: أنا أحبهم فعلا، ثم تدمع عيني تأثرا في طريق العودة إلى البيت، وأمنع نفسي من احتضانهم قبل الذهاب.
ألاحظُ النغزة الصغيرة في قلبي، وأقول: الحُبّ يؤلم يا سمية. سريان الحُب في قلبك القاسي يشبه مرور الدم إلى قدمك التي تستندين عليها في جلستك وسط صينية الميدان، ويؤلمك سريانه عند قيامك. الروح التي تعود إلى الجسد الميّت تؤلمه وهي تحييه.

تبدو لي كل الأحداث وكأنّها تدور في خلفية المشهد الكبير الذي يضم الميدان بقهاوي وسط البلد. أصدقائي أبطال المشهد الرئيسيين، وأنا عين الكاميرا؛ لا أراني، ولكنّي أعرف أنّي هنا. تبدو أشياء مثل الكلية، البيت، الفيس بوك، علاقتي الماضية المؤلمة، الله، العائلة، الكتابة- تبدو كلّها أشياء بعيدة جدّا. لا أتعرف عليّ إلا معهم. تكتسب كل الأحداث بعيدا عنهم موقوتية؛ هناك الميدان، وهناك أصدقائي، وهم يكفون.

الحُبّ يؤلم يا سُميّة. وروحك التي تختبر الحب بصعوبة، تشعر بالأسى كلما اكتشفت تعلقها بمن تحبهم. وعقدة الاضطهاد لديكِ تدفع إليك دائما بالسؤال الأكثر درامية: هل يحبونك بالمثل؟ وسوداويتك المفتعلة تُهدى إليك دائما سؤالها الأكثر تميزّا: متى السقطة؟ .. ولكنّ الحُب داخلك يُزيح برفق -يعلم أهميته جيدّا- الظلام، ويفتح لك براحًا أكبر للتنفس والرؤية. أستلذّ الإحساس، آخذه على مهل، وأقول لنفسي: رويدا رويدا يا حلوة. على مهل، وأربت عليّ تربيتة مبتسمة.

عاطفيتي التي أعترف بها عقب كل تصريح بالحب خشية المبالغة والدرامية وتحسبا لأي ساخر منها قد يجعلني أنكمش داخلي للأبد، تُكسب كل التفاصيل عمقا وحسّا وتفردا. وتحوّل كل لحظة بسيطة وكل تفصيلة صغيرة إلى شيء جدير بالتأمل، والتوقف عنده طويلا.
أفتقد الكتابة كثيرا، وذهني المشحون دائما بالتأملات الصغيرة يشوّش عليّ. الأفكار تتصارع في الداخل من أجل الخروج. تمزّق فيّ أحيانا، لأن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، وتمنعني من الاستغراق التام في اللحظة. لكنّي أعود وأقول: رويدا رويدا يا سميّة. أدع الموسيقى الهادئة تنساب في رفق، وأروّض الأفكار. وأطمئن نفسي: لا بأس .. سيكون كل شيء أفضل.


وفي شارع طلعت حرب، الذي أسيره من آخره لأولّه عند التحرير لألتقي أصدقائي، أفكّر في ثِقَل اللحظات الدرامي، وأكتب ألف جملة في رأسي، ثم أصل لمكان تجمعنا، فيبتسم في وجهي أصدقائي المستيقظون لتوّهم، فأبتسم، وأنسى كل شيئ عاداهم. وأسألهم: "مش عايزين تشربوا قهوة؟" .. وأقول لنفسي اليوم في طريق العودة: سميّة، أنتِ تتغيرين. خوضي التجربة الحسيّة لآخرها ولا تخافي. رويدا رويدا وعلى مهل .. القادم سيحمل لك الوقت للتأمل، والكتابة، واسترجاع كل هذه المشاعر. القادم سيكون أعمق وأجمل. أما الآن، فسأكتفي بما يحدث.

Wednesday, November 9, 2011

أريد لهذه القصيدة أن تنتهي

أريد أن أكف للحظة واحدة عن تفسير كل شيء فقط بهدف: أن أثبت أنني لا شيء.
أريد للحظة واحدة فقط أن أفرد ظهري وأرفع رأسي، دون أن أتلفت حولي خشية أن يطيّر أحدهم رقبتي بضربة سيف مفاجئة.
أريد ألا أتوجس وأنغلق على ذاتي مع كل محاولة من أحد لمساعدتي .
أريد ألا أكره حب الآخرين لي.
أريد ألا أكره ابتعاد الآخرين عنّي.
أريد أن أتخلص من احساسي بالذنب نحو من لا أحمل ذنبهم.
أريد أن أشعر بالمسؤولية نحو المسؤولين منّي.
أريد أن تكف حشرات مخي عن الطنين، لثانية واحدة فقط أستطيع أن أسمع فيها الأصوات كما هي.
أريد أن تكف مخالب روحي عن نهشها، لثانية واحدة أستطيع أن أنظر فيها إلى قلبي فأراه بوضوح.
أريد أن آخذ نفسي بهدوء ودون تسارع ومجاهدة من رئتي لأخذه قبل فوات الأوان.
أريد أن يكون زفيري عملية ميكانيكية وليس تنهدّا.
أريد أن أشم هواء نقيّا وباستمتاع، دون تخوفات.
أريد أن أهدأ. أريد أن أهدأ. أريد أن أهدأ.

وأُريدُ أن أحيا ...


---------
العنوان والجملة الأخيرة مأخوذان عن درويش.


Saturday, November 5, 2011

فقرة مقتطفة: في وصفها

وتخشى أنّ تكون امرأة الوسط الجميلة، متوسطة الموهبة، التي يحبها الجميع ولا تقدم جديدا. وتعاني في نفس الوقت من الوحدة الذاتية، ومن الوحدة الجماعية. وتُعاني من البارانويا التي تجعلها ترى نفسها دائما كشخص غير مرغوب في وجوده، أو على أفضل الفروض كشخص يتعامل معه الجميع بقداسة تفتقد الحميمية، أو بتجنّب يفتقد الحب. تحاذر دائما أن تفتعل شيئا، وتبكي في أعقاب اللقاءات التي تتحدث فيها كثيرا. تشعر بالهشاشة كلما تصرفت بقوّة. لديها مشكلة كبيرة مع نفسها، شكلا وموضوعا، وتجعلها نظرتها القاسية لنفسها في موضع شك واضطراب دائم. هي ليست هذه المتصالحة مع ذاتها التي يظنون، وليست هذه الجميلة التي يرون. على العكس، هي التي تعذّب نفسها بقسوة حتّى تتفسّخ، وترى في صورتها القبح في صورته الفجّة. إنّها متقلبة المزاج، متطرفة الأهواء، حادّة الطباع، غير مأمونة الجانب، المشرقة الضاحكة، التي تنشر بهجة بمقدار البرتقالي في عينها. إنّها التي تتحرّك بأداء الواثق في نفسه ثقة لا تُضاهى، ووهو يحاربها في داخلها بغية قتلها. إنّها التي تمشي وحيدة، وتخشى أن تموت وحيدة، وتعرف الجميع، ولا تعرف أحدا.

Wednesday, November 2, 2011

أجازة قصيرة

هناك شرطان يجب تحقيقهما لكي أستطيع أخذ أجازة بسيطة من نفسي وأفكاري وروحي ومشاكلي الوجودية. الأول: أن أنشغل طوال الوقت حتّى لا أفيق فجأة فأجد نفسي وحيدة ونُعيد نفس القصّة. الشرط الثاني: أن أتجنب المحفزات على السقوط داخلي مرّة أخرى. وأنا أبذل قصارى جهدي لأحقق الشرطين.

أُؤجل المقابلات العميقة والتي تتطلب جهدا نفسيا عميقا. أتوقف عن سماع "والله تستاهل يا قلبي" و"أنا هويته وانتهيت" و"ما دام تحب بتنكر ليه"، وأبدأ في سماع سيّد مكاوي وكارم محمود. وأعيش كالشخص الذي لا توجد لديه أي مشاكل، وكل مشكلته في الحياة أنّه يريد أن ينام قليلا فيما لديه محاضرة في الثامنة صباحا. لا ألتقي الناس الذين أعرف جيدا أن لقاءهم سيحيلني لنفسي من جديد. وإذا التقيت أصدقائي المقربين، أحرص أن يسير الكلام في منحنى عبثي تماما يبتعد كل البعد عن الجديّة الحرجة. أضحك كثيرا جدّا -بدون افتعال بالمناسبة- وأسخر من كل الأشياء، أؤدي واجب الكليّة في وقته، وأرقص على "من بحري وبنحبوه"، وأدفع بعيدا أي فكرة عميقة. أخرج كل الكتب من الغرفة، وأقرأ كتابا لا يقول أي شيء.  أقلل من الفيس بوك والتمبلر وتويتر، وأتوقف عن تصفح ايميلي وعن مراقبة عداد زوّار المدونة. أشرب ينسونا، وخمس سيجارات، عوضا عن القهوة وعلبة السجائر الكاملة. وأستقبل الجامعة بـ "الليلة الكبيرة"، بدلا من الأغاني الثقيلة. وبشكل عام، لا أفكّر في أحلامي المضطربة، ولا أشغل بالي بحالتي النفسية السيئة. أقول لنفسي: "فاكس"، وأنصرف إلى شأن آخر.


احتياجي لأجازة نابع من إيمان قوي أن هناك سقطة قوية قادمة. ووغلاوة الإسباني عندي، هذا ليس تشاؤما على الإطلاق. ولكنّي أعرف أن هناك الكثير من الأمور العالقة، هناك أسئلة تحتاج إلى جلسات علاج ذاتي طويلة، وحدث لي الكثير الذي لم أعذب نفسي بالتفكير فيه بعد. الكثير من الهزائم والخسارات، الكثير من الإدراكات المقلقة والمؤلمة، علاقات جديدة، وعلاقات تتجدد، وعلاقات تتنتهي. أنا لم أستوعب كل هذا. وأحتاج، فعلا، قبل السقوط في دوامة جديدة أن أعطي نفسي أجازة قصيرة، أستريح قليلا من عناء الدوامات السابقة، وأدخل إلى قلب الدوامة الجديدة بروح رياضية.

لذلك، أنا في أجازة نفسية حتّى أوّل أيّام العيد. "هتنطط" هذه الأيّام ما قُدّر لي من التنطيط، وأنجز كل ما يمكن انجازه من أشياء عديمة المعنى. كنت أتمنى لو أستطيع إطالة الأجازة عن هذا، ولكن العيد هو المكافيء الموضوعي للوحدة والاغتراب، وبالتالي يتطلّب سقوطا داخل الذات. ولكن عملا بنصيحة جدتّي: "الطمع، يقل ما جمع"، سأكتفي بهذه الأجازة، ونراكم على خير.


عيد سعيد :)