Wednesday, September 28, 2011

غريبة الأطوار

اليوم فعلت ثلاثة أشياء. التقيتُ صديقة مقربّة. حضرت تجمّعا أدبيا. جلست عند عم صالح قليلا.

صديقتي قالت إن تصرفاتي تبدو غير مفهومة أحيانا. على هامش اللقاء الأدبي قال لي شخص إنني عدوانية وسوداء. عند صالح قال لي صديقي إنني غريبة الأطوار.وعندما سمعت اليوم قصيدة فيها حديث عن النسيان الدائم، كدت أبكي.

عندما التقيت بصديقتاي على التكعيبة مؤخرا، قال لي القهوجي: "احنا عايزين نصورك بفيديو دلوقتي .. ما انتِ بتضحكي آهه"، وقال لصديقتاي: "ما تسيبوهاش تقعد لوحدها بقى لحسن بتبقى مكشرة أوي".

 وأنا في طريق العودة، كنتُ أقاوم رغبة شديدة في التقيؤ. وتذكرت كلام الأربعة، واشتد عليّ الصداع. وكنت أقاوم رغبة أخرى في إلقاء شنطتي من النافذة، وتقطيع الكتاب الجديد الثقيل وتطيير ورقه، وقذف رأس السائق بالموبايل ليتحطم الاثنان تماما. وكنت أريد أن أخلع طرحتي، وحذائي، وأن أتعرف إلى الولد الذي يجلس في الكنبة الأمامية لأن صوته كان دافئا. وتذكرت صديقي الذي التقيته أمس وكنت أريده أن يحتضني قليلا وخجلت أن أطلب منه. وقلت سأتصل به وأخبره برغبتي.
لم أفعل شيئا، فقط قلت لأمي في التليفون أن أمامي عشر دقائق للوصول للبيت، في حين أن كان أمامي بالفعل أكثر من نصف ساعة. وانهمكت في التفكير في قصّة جديدة.

عندما عدت إلى البيت، حاولت كتابة القصّة، ولكنني وجدت أنني محاصرة بالأفكار القديمة التي لم أكتبها بعد. ثم أخذت أعيد قراءة النصوص القديمة، والنصوص غير المكتملة ولا أضيف حرفا. هذا بالإضافة لكوني أشك أن أبي صادق الرجل الذي يشاهدني وأنا أدخن سيجارتي بعد أن يناموا في البلكونة، و أشك أيضا أن أخي رآني وأنا أدخن، وبالإضافة كذلك لأن إذاعة الأغاني تُذيع أغاني سخيفة في هذا الوقت من الليل. ولأن خدمة الانترنت تنقطع أكثر مما تتصل، ولأن الدراسة ستبدأ يوم السبت في الجامعة ، وأنا حتّى الآن لم أستوعب تماما فكرة السنة الدراسية الجديدة، لأنني لن أعرف من سأكون خلالها- فالأمر مرهق فعلا وممل.

عموما، وعلى أي حال، يمكنني أن أغير لون المونيكير، وأن أصنع كوبا آخر من النسكافيه، ويمكنني أن أدخن سيجارة كذلك. وعموما أيضا، أنا اكتشفت الآن، أن تصرفاتي غير مفهومة فعلا، وأنني عدوانية وسوداء، وأنني لا أبتسم إطلاقا وأنا وحدي، وأنني بالتالي غريبة الأطوار. واكتشفت أيضا أن هذا لا يُزعجني إطلاقا.

وعلى شرف هذا الاكتشاف العظيم، سأحتفل وأشرب كوبا من عصير البرتقال مائع الطعم الموجود في الثلاجة، وأشرب سيجارتين بدلا من سيجارة واحدة، ثم أعود لأسمع شريط عمرو دياب الجديد الذي لا يعجبني.

Saturday, September 17, 2011

الآنسة: لا أحد

لا أتوقف عن التقمص. أحيانا تتلبسني أرواح لا أعرف أصحابها. أحيانا شياطين، أحيانا ملائكة. المُلاحظ وبشدّة أنني لا أعرف أيا منهم معرفة وطيدة.

 منذ يومين، دخنتُ سيجارتي بالطريقة التي تدخنها بها تشارليت في فيلم Lost in Translation. واليوم فكرّت بطريقة إرين في Next Stop Wonderland. تعيش معي طويلا شخصيات وودي آلن، في حين أتكلم كثيرا بطريقة كاثرين كيلي في Stranger than Fiction. تتلبسني ساحرة قوطية، مديرة تسويق أمريكية، مخرج فرنسي، مزارع اسكتلندي، راقصة أرجنتينية، وباحث تراث إسباني، وكثيرون غيرهم. لدرجة أنني أفكر في تسميتهم بأسماء أعرف بها وجودهم.

المؤمنون بتناسخ الأرواح يعتقدون أن بموت الكائن الحي، تنتقل روحه لكائن آخر. لستُ متأكدة من وجود تمارين روحية تزيد من قدرتنا على اتصال ما، يجعلنا قادرين على معرفة الكائنات التي سكنتها أرواحنا قبل أن تسكنّا. عموما، يبدو أن خللا ما حدث في منظومة التناسخ الخاصّة بي، جعل أكثر من روح تأتي إليّ، في حين أخطأتني الروح الأصلية، التي لابد وأنّها تعذب مسكينا آخر في مكان ما، أو تائهة إلى الآن بلا جسد.

أتذكر جملة لصديقة عزيزة في يوم مشمس، وفي حديقة هادئة، وجلسة تجليّات. قالت:"بحس إن روحي محبوسة في جسم مش بتاعها". وأنا نظرتُ لها ولم أعلّق، وبكيتُ. مرّ على هذه الجلسة شهور طويلة، كانت حالتي النفسية سيئة، كنت ممزقة بين الاختيارات، وأفكر في عواقب كل اختيار، كنتُ أشعر بنفسي محبوسة ومقيدّة في علاقة لا أريدها، وكنت أظن أن انتهاء العلاقة سيحررني. حسنا، لقد انتهى كلُّ هذا الآن. وتحررتُ. تحررت للدرجة التي فتحت لي كل الآفاق مرّة واحدة. تعددت الاختيارات، ولكنّها أصبحت مائعة وقاصمة في ذات الوقت. إذ لا يهمني أي منها مع أن كل اختيار منها يستطيع أن يقلب الكفّة في لحظة. ولعبقريتي الفذة في التعامل مع أزماتي، زادت حالتي النفسية سوء. وذهبت صديقتي، ولم أرها بعدها إلا من أيام قليلة. كانت الجلسة مختلفة. صاخبة، على قهوة في وسط البلد، ولم تكن جلسة تجليّات، كانت استشارات ومحادثات قصيرة مبتورة لضيق المكان وضغط الصحبة. قالت:"أنا دلوقتي حاسّة إن أنا أنا". وفكرّت بعدها أن الناس يجدون أنفسهم، ويصدقون، وأنني وحدي أبقى على الحافة ولا أصل للعمق. 

قلتُ لنفسي، ليكن. عموما، أنا مللتُ الكلام عن البحث عن الذات والغربة في الحياة والروح الحقيقية. لا أكذبه، ولكنّي مللته. وأخذتُ قرارا، قلتُ إن لم يكن من التلبس بدّا، فلأعشه لآخره. وقلتُ من الآن فصاعدا، سأختار الشخصيات التي تتلبسني، وأسمّيها، وأختار لكل يوم واحدة، أبدأ بها يومي وأودعها قبل النوم. ولنبدأ بالآنسة: ¨smiley face، التي تسكت طويلا، وتبتسم قليلا، وتهز رأسها وتراقب طوال الوقت.


Friday, September 16, 2011

يومض ثم يخبو

 "كانت كلاريسا عندئذ تشعر بأنها مقبلة على بداية حياة جديدة سعيدة، ولا تزال حتى الآن تشعر أحيانا بالصدمة حتى بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما عندما تدرك أن هذه اللحظة كانت هي السعادة ذاتها .... أما الآن فإنها تعرف أن هذه اللحظة كانت لحظة مرت وانتهت في الماضي، ولن تأتي لحظة غيرها بعد ذلك أبدا"*

أعلم أنني لن أجد إجابة لسؤالي الأزلي: "من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب؟" .. سيظل سؤالا بلا إجابة. أعلم أن الحياة سخيفة وغير محتملة. ولكنّي اليوم، في صباح الجمعة، وقبل الصلاة، تجسّد في رأسي المشوّش إدراك جليًّ، تجسّد ناصعا مُريحا: لحظات كهذه هي التي تجعل الحياة تستمر، وتجعلنا قادرين على استكمالها على بشاعتها وعبثيتها.
كنتُ لم أنم ليلتها كعادتي في قلّة النوم، وكنتُ قد قضيت ليلة لطيفة أتحدث فيها مع أناس أتعرف عليهم، أحدثهم بالإسبانية التي ما زلتُ في طور تعلمها الإبتدائي، ويثنون على لغتي المتماسكة وذكائي الواضح، وأسمع أغنية واحدة أحببتها جدّا ولا أركز في كلماتها.
في الثامنة ونصف صباحا تقريبا حسمت أمري وقررت أن أنزل في تمشية صغيرة، أشتري الجرائد -العادة التي عدتُ لها مؤخرا بعد انقطاع طويل- أعود بعدها للبيت أنام قليلا وأصحو هادئة. بعد التاسعة بقليل كنت في الشارع. ركبت ميكروباصا يُخرجني حتّى شارع الهرم، غازلني سائقه مغازلة رقيقة وهو يسمع "راجعين .. نعشق وندوب ونعيش مع بعض حياتنا .. راجعين .. ما يفيدشي هروب من شوقنا ومن حكاياتنا"**. وأنا، المحظوظة دائما في أغاني الميكروباصات، اندمجتُ مع الأغنية وأخذت أدندنها. والسائق، الذي كان شابا وسيما وجذابا، دندن معي الأغنية بهدوء، مستغلّين، أنا وهو، كوني الراكب الوحيد. وشيعني بابتسامة متواطئة استقبلتُ بها شارع الهرم.
مشيتُ. عند العاشرة إلا ربع تقريبا، قررتُ الذهاب للتحرير. ركبت ميكروباصا آخر أوصلني هناك في العاشرة وعشر دقائق. جلستُ بجرائدي عند عم غزال الذي استقبلني استقبالا حافلا مقسما بكل الأيمان أنّه افتقدني كل هذه الفترة، وأنّه سأل عنّي والله. ولما كان حارس مول طلعت حرب عندما مررت من جانبه قد قال في بساطة: "نهارنا زي الفل والكعبة الشريفة"، فقد كنت أشعر أن نهارنا زي الفل فعلا. قرأتُ جرائدي وانتهزت جلوسي خلف الكراسي العالية ودخنت سيجارة بسرعة حتّى لا يراني عم غزال الذي قد يعنفني بشدّة لأنه يخاف على صحتنا -أنا وصديقتاي- وقد يخاصمني. ربتُّ على كتفه وأنا أدفع الحساب، وقد رفض بشدّة أخذ مليم واحد زيادة عن ثمن فنجان القهوة العظيم الذي يصنعه.
مشيتُ في شارع شامبليون، وإذ إنني تعلمتُ من تجربة الجمعة الماضية، لم أجلس عند "عم صالح" لإن ميكروفون المسجد الذي يعلو القهوة ويحاصرنا بصوت خطيبه الأجش الجاهل الأحمق قد يفسد عليّ لحظات يوم تتصاعد وتيرة عظمته بوضوح. انعطفتُ يسارا، وعلى التكعيبة شربتُ ينسونا، وحرقتُ سيجارتين، فيما كنتُ أقرأ "ترابها زعفران" وأتأمل أصابع قدمي في الصندل الجديد المفتوح. كنتُ أفكر أنني سأطلي أظافري بالأحمر، وأن الصندل الجديد جميل، وأن أصابع قدمي التي تتنفس من أسباب روقان هذه اللحظة.
مرّت فتاة ليل بوضوح، ولكنها كانت جميلة لدرجة لا تصدّق. شعرها الذي رفعته والتف حول وجهها المدوّر، وفستانها الأبيض المنقوش الذي حبكته حول خصرها وجسدها المكتنز قليلا في دلال، كونوا جميعا مشهدا من "ترابها زعفران". وهي التفتتْ إلي، وأنا كنت أريد أن أقول لها: "صباح الخير .. اليوم حلو، صح؟" ولكنّي خجلتُ فاكتفيتُ بلحظة التواصل الروحي بين أعيننا في لحظ خاطفة. قلتُ فيها أنني أراها جميلة، وأنني في هذه اللحظة تحديدا أحبها بشدّة.
عندما مرّ بائع الساندوتشات، بأرغفة الفينو الكثيرة المرصوصة والمغطاة بمفرش نايلون رقيق، بجانب البيض الأحمر المسلوق الساكن في وداعة مبهجة- كنت أعلم أنني الآن في زمن قديم، وأن هذه اللحظات في الحقيقة حدثت من عقود طويلة مضت، وأنني، التي كانت تغبط ادوار الخراط على معايشته لهذا الذي يحكي عنه- قد تلبستني الحالة. أنا أعرف كل هذا جيدّا. أنني كلهم جميعا. عم غزال وسائق الميكروباص وبائع السندوتشات وفتاة الليل. أنا كلكم. كنت أدرك أنني أراقب السيجارة من علبة سجائري هدية صديقي الحنون، كنت أراقب كل شيء تمنيته.
لم أطلب من البائع ساندوتشا، على رغبتي الشديدة. خشيتُ أن أكسر المشهد الصامت الذي أراقبه من داخله، فيلتفت المشهد لوجودي وينصرف. اكتفيت بمتعة التأمل وبقلبي الذي يخفق في رقّة نسيتها من سنين.

أعلم أن كل هذا سينتهي. أعلم أن كل هذه المشاعر الطيبة ستتلاشى بمجرّد رؤيتي لوجه أخي القبيح في البيت. أن أسئلتي الوجودية غير القابلة للإجابة ستعود لتلح وتلتهم البراح الذي  يتنفس داخلي الآن. ولكنّي أدرك الآن، والآن فقط، أن من أجل لحظات كهذه تُصبح الحياة محتملة. (كانت هي السعادة ذاتها) ولا شيء بعدها. ولكن الحياة ممكنة الاحتمال. والنظرة المرتبكة بصدق في عين عم غزال ستظل هناك، وخصيلات شعر البنت النافرة في عشوائية موحية ستظل تومض لي، وسأظل أحب فستانها الذي يوحي بالبساطة والصدق على ما يفترض أن يوحيه من ابتذال. أعي أنني أحب جسدي الآن، وأنني أحتمل العيش ببعض من هذه اللحظات. أدرك أن هناك الكثير لنفعله. أعلم أن الثورة والبلد ينحرفان لطريق مضبب وداكن، ولكنّي أعلم كذلك أن نظرة على الجموع الغفيرة، وهتافٌ وَسطها هو الذي سجعل لكل ما كان معنى بغض النظر عما سيكون. أعلم أنني لستُ فتاة الرضا التام. تمردي سيقودني دوما نحو المناطق الوعرة  المليئة بأشباح تنتظرني وتنغص عليّ سلامي النفسي. ولكنّي أشعر الآن بالامتنان لهذه اللحظات لأنها ستجعلني قادرة على مواجهة أشباحي ومصادقتهم. تمردّي نفسه هو الذي يدفع الحياة في عروق غريزتي للحياة، وهذه الغريزة هي التي ستجعلني دائما قادرة على الاستمرار. كنتُ راضية. راضية عن جسدي، عن أصابع قدمي، عن نفرتيتي المعلقة في سلسلة على صدري، وعن علبة سجائري هدية صديقي الذي  يُصر أنني شخص طيّب برغم كل شيء.

أدرك موقوتية اللحظة. أدرك الإدراك الذي يدفعني للجلوس على السور الحديدي أمام جروبي طلعت حرب لأمسك بهذه اللحظة قبل أن تنفلت مني. أفهم تماما أن الحياة قاسية، وليست طيبّة. أن هذه اللحظة التي أعيشها ليست بداية السعادة، إنّها السعادة نفسها. وأعرف أن كل ما أفعله في باقي لحظات حياتي هو البحث عن هذه اللحظات التي على ندرتها حد الوحشة، تستحق المغامرة.

الشُكر، كل الشكر، لرأس نفرتيتي.
--------------
* الساعات - مايكل كاننجهام

Monday, September 12, 2011

أرتبك

البنت التي تكرهني تملأ عينيها بالغيرة وقلبها بالحقد وتحاول انتهاكي، في حين أن الولد الذي يحبني يملأ عينيه بالشوق وقلبه بالحب ويحاول احتضاني. وأنا أرتبك. أرتبك من ذروة المشاعر في الاتجاهين. ولا أعرف ما الذي يمكنني فعله في قلبي الذي يبهرني طوال الوقت بصلادته في الحالتين.


تقول صديقة أنّني لا أهتم بالبشر أصلا، وتسجّل أخرى إعجابها بقدرتي على فعل ما أريد بدون الاهتمام بما يقوله الآخرون، في حين يخبرني ولد لا أعرفه ويحاول أن يعرفني أنني مستفزة، ويشتكي آخر من صمتي وعدم تجاوبي معه في حديثه الذي لا يعنيني. تشتكي صديقة من أصدقائها الذين يقولون لها أنّها تغيرت بشأنهم، في نفس الوقت الذي يخبرني فيه صديق قديم أنّه لا يرى سميّة التي يعرفها وأنني أدعي كل ما أفعله. وأدرك صعوبة موقفي فعلا إذ أكتشف أنني لا أهتم أصلا .. ومن جديد، كل الذي أستطيع فعله هو أن أرتبك. جميل أن يكون لكل شخص يعرفني تصوّر ما، في حين أنني لست أيا من هذه التصورات. أنا، في الحقيقة، لا أعرف، وأنا، للأسف، لم أعد حتّى أهتم بالمعرفة.


بائع الحلي يبيعني الخاتم بأقل من سعره لأن عينيّ جميلتان، في حين يخبرني صديق أن جمالي خارج المألوف. وأنا؟ أرتبك طبعا. أنظر لصورتي الداخلية عن شكلي، وأقارنها بالصورة التي تصلني من الآخرين، وأرتبك. بافتراض أنني جميلة، كما يدعون، ما قيمة هذا فعلا إن كنت لا أراه، ويسبب لي مشاكل في نفس الوقت؟ إذا كانت ملامحي بارعة الجمال ولكنّي أراها لا تنتمي إلي، ماذا أفعل بانبهار الرجال بها؟


الأديب الذي أكرهه، يموت فجأة، فأشعر بذنب خفيّ. أمّي التي تلومني على التأخير والماكياج وتبكي من لا مبالاتي، أختي التي أشعر كلما احتضنتني بالذنب لأنني لن أستطيع الحفاظ على هذه العلاقة. الثورة تسير في اتجاه مرعب، وأنا لا أهتم بمصر كبلد بقدر ما سأشعر بالحسرة على كل ما كان يمكن أن يحدث ولم يحدث. وأفتح صفحة بيضاء وأحاول كتابة قصّة جديدة، وأجد  أنني لا أستطيع التركيز في شكل الحروف. وأقرأ صفحة واحدة في الكتاب وأقف عند "كنت أعرف أنني تركت غيط العنب وشارع راغب من زمن بعيد وأنني مع ذلك ما زلت هناك"*، وأداري سحابة كآبة موسمية حلّت فوق رأسي حتّى لا يراها صديقي الذي كنت في انتظاره. أرتبك أرتبك أرتبك.


الحياة بها ناس طيبون .. وناس صحبتهم دافئة .. وناس محفزون على الحياة .. وناس قادرون على التقبّل والتفهم .. وناس وناس وناس ..
لكنّي اكتشفت أن الحياة خارج حدود غرفتي، وخارج رأسي المكتظ عن آخره بتصورات سيئة عن العالم وعن الوجود الإنساني - مُرهقة جدّا. الكثير من التشوّش، الكثير من التخبّط، والكثير من الانعزال عمّا يحدث داخلي.


الحياة في الخارج مبهجة أحيانا، لكنّها في الداخل هادئة ومفهومة .. وفي الحالتين: مُربكة.
----------- 
* ترابها زعفران - ادوار الخراط

Wednesday, September 7, 2011

سلسلة مغلقة

هي السلسلة التي أعرفها جيدّا.
أدخل في حالة نفسية سيئة، أفقد الثقة في نفسي وفي قدرتي على إنجاز شي جيّد، أكتب نصوصا من القهر وبدافع التنفيس، تخرج نصوص جميلة، يشيد بها الجميع، أنظر لنفسي بصورة أفضل، أستعيد ثقتي في قدرتي على إنجاز الأشياء، أعترف لنفسي بالموهبة، فأكتب نصوصا مفتعلة، لا تعجب أحدا، فأدخل في حالة نفسية سيئة، وأفقد الثقة في نفسي، و .............. إلخ

المشكلة أنني أعرف هذا. وبالتالي صرت لا أصدق عدم ثقتي في نفسي، ولا أصدق ثقتي في نفسي .. لا أصدق من يتكلم عنّي بإيجابية، ولا أصدق من يتكلم بسلبية.

أنا بالأساس، لا أصدق شيئا على الإطلاق.

Monday, September 5, 2011

فتحة في جدار


لا تتذكر متى بدأ ذلك تحديدا. ربما عندما بدأ السأم يتسرب إلى قلبها كالعادة. ربما عندما شعرت أنّها قالت كل ما يمكن قوله وسمعت كل ما يمكن سماعه. لم يعد هناك جديد ليقال من جانبها أو من جانبه.
لم تطمح العلاقة من البداية إلى أكثر من كسر الملل. كان يُدرك، وكانت تُدرك، ولم يكن من داع للتصريح بهذا أو بعكسه. في مجتمعها الذي لا يوجد به غير النساء، كانت معرفتها به فرصة غير مضمون تكرارها للتغيير. تسألها أسوأ ما يحدث لفتاة فترد أن تعمل مع أمّها من منزلهم في خياطة ملابس النساء. كل ما تعرفه عن الرجال ما تسمعه من زبوناتها عنهم. تراهم في عيونهن، في اختياراتهن للتصميمات الأكثر إثارة، في غمزاتهن على الألوان، أو في حديث أمّها العابر عن أبيها الراحل.
كان "الرجل" في البداية فضول، تحوّل إلى احتياج تعلمّت أن تتعامل معه، ثم صار رغبة هدفها فقط كسر الملل. ظهوره كان فرصة مغرية جدّا للتجربة. مات الرجل الذي كان يورّد لهم القماش؛ وجاء ابنه وقال إنّه سيكون مكان أبيه. وتبادلا أرقام الهواتف.
مكالماتهم كلها كانت في الليل. ليس لأسباب عاطفية، ليس لأن المكالمة أرخص، ولكن لأن أمّها تكون قد نامت. بدأوا بالحديث عن أنفسهم؛ حكى كل شيء عن عمله مع أبيه، عن عمله الذي لا يحبّه ولا يعرف غيره، عن افتقاده للأصدقاء. ثم حكت كل شيء عن عملها مع أمّها، عن عملها الذي لا تحبّه، عن عدم معرفتها بمعنى الأصدقاء من أصله. ثم بدأ يحكي لها عن العالم خارج بيتها، عن التجار، عن مشاجراته مع زبائنه. وحكت له عن العالم داخل بيتها، عن العميلات، عن مشاجراتها مع زبوناتها.
قال لها:"ضميني". كان هذا جديدًا عليها. ولم تعرف كيف تضمّه عبر التليفون ولكنّه قال لها: "نتخيّل". ثم قال لها إن جسدها جميلٌ. وهي لم يهمها أن يكون جسدها جميلا فعلا بقدر ما همّها أن يخبرها "رجل" بهذا. وتحولّت المكالمات للقاءات حميمية تبهجها. بالرغم من أن لقاءات الواقع لم تحمل لها نفس بهجة حميمية المكالمات. ليس فقط لوجود أمّها، ولكنّها كانت تنظر له ولا تعرفه. نبرة صوته مختلفة في التليفون وصورته المتخيلة غير صورته الواقعية. كان في خيالها أقل سمرة. تحب البشرة السمراء، ولكن عند درجة معينة من الإسمرار، تتوه الملامح في الوجه ولا تجدها. في خيالها، ملامحه واضحة وقريبة بعكس الواقع. وكان ما يهمّها في كل لقاء واقعي أن ترتدي شيئا يخبرها في المكالمة أنه كان جميلا عليها. صارت اللقاءات تمهيدا للمكالمة الليلية. ولما لم يعد لديهما جديد يُقال، صار كل ما يفعلانه هو ممارسة الجنس المتخيَّل.
ولكنّها سأمت الوضع مع الوقت. ملّت الفتى وأحاديثه المتكررة، وملّت حتّى العبارات التي يكررها كل مرة وهو منتشٍ. اكتشفت أنّ بإمكانها الضحك في التليفون بدون أن تكون هي تبتسم فعليا في الواقع، واكتشفت أنّ بإمكانها التنهد بلذّة بالرغم من عدم استمتاعها من الأساس. أما ما لا تتذكره فهو متى بدأت تنام فعلا وهو يتكلم. ليس نوما كاملا، ولكنها غفوات قصيرة تضعها في الحد الفاصل بين النوم واليقظة.
مكالمات الليل لم تناسب عملها، أمّها توقظها مع شروق الشمس، والعمل يتضاعف في موسم الأعياد ويرهقها ولا تأخذ كفايتها من النوم. يتكلّم، وتغفو قليلا فترى مقصات تطير حولها. تغفو، فترى أمتارًا من قماش الدمّور الخشن تقترب منها. تغفو، فترى زبوناتها يرتدين ملابسهن الداخلية التي فصلتها لهن وينظرن لها في شهوة وتشف. تخبره أنّها تحتاج أن تنام لأن لديها عملا كثيرا في الصباح فيرد أنّه يحتاج لوجودها معه.
ثم بدأ هذا الحلم المتكرر. لم تأتها صورة الحلم كاملة من أول مرة. بدأت بجدار ليس مرتفعا جدّا ولكنه أعلى من قامتها. الجدار ليّن رطب. في المرّة التالية عرفت بوجود الفتى على الجانب الآخر من الجدار. وهكذا، كل مرّة يزداد عنصر في الحلم حتّى اكتمل. الجدار ممتد من الجانبين بلا نهاية. هو يقف في الناحية الأخرى، يقول لها كلاما جنسيا مثيرا من وراء الجدار. إحساس بالخزي والضيق يخيمان على الصورة. في الجدار آثار لباب قديم مسدود بالطوب، تقف مستندة بظهرها إليه وتبكي. ينادي عليها ويقول بشهوة: "بحبّك". تمسح دموعها وتتمالك نفسها وترد: "وأنا بحبّك".
في المكالمة الأخيرة، ذهبت في غفوة معتادة رأت فيها  الحلم المتكرر. أيقظها بندائه عليها. قال لها: "بحبّك". كانت المرة الأولى التي يقولها فيها. أغلقت الخط في وجهه، ولم ترد على مكالماته.
بعد أسبوعين، وعندما جاء موعد زيارة بائع القماش، لم يأت الفتى. أرسل شخصا بديلا، والذي تبادلت معه الفتاة أرقام التليفونات، وصار يكلمها ليلا بعد أن تنام أمها.

Friday, September 2, 2011

"هل يقسو القلب مع طول السفر؟"

لم أستقر في بيت واحد طويلا. ولدت في المدينة المنورة وأقمت هناك حتّى السنة الأولى الإبتدائية، ثم عدنا للقاهرة. شقتنا كانت في "أرض اللواء"، وأقمنا مع جدّي في "باب الخلق". فترة الدراسة نقضيها في بيت جدّي حيث مدارسنا، في الإجازات، نقيم في شقتنا. سقطت عمارة أرض اللواء، لأن شخصا امتلك أرضا مجاورة للبيت أراد بناء برج، فأصاب أعمدة البيت في مقتل، وتداعى البيت كتلة واحدة. كنا وقتها في بيت جدّي. أعطتنا الحكومة شقّة بديلة في "إمبابة"، فكررنا لعبة الدراسة والإجازة. ولكننا لم نحب جيراننا سكان الإيواء، ولم نستطع التكيف مع رائحة المجاري المنبعثة على الدوام، فتركنا الشقة، ثم اشترينا شقة جديدة في الهرم منذ بضعة أعوام وانتقلنا إليها تماما، ولم نغيّرها إلى الآن. أين ذكرياتي إذن؟ لا أحن إلى موضعٍ ما. أتذكر أياما من السعودية، وأياما في أرض اللواء المنهارة، وأخرى في امبابة. معظم ذكرياتي في شقة جدي في باب الخلق، ولكن هذا ليس مرادفا للحنين. تعودت ترك كل شيء ورائي بصورة ملفتة للنظر. لم أتعود أن تدوم علاقتي بشيء طويلا. بدلّت أصدقائي، أماكن إقامتي، اهتماماتي، وحتّى أفكاري في وقت أقل من أن أرتبط بها. تعودّت الفراق. أنا في رحيل دائم نحو ما لا أدركه.
سقوط البيت علمني شيئا: البيت ليس الأمان والاستقرار.ما زال الذعر الذي رأيته على وجه أمي عند عودتها من موقع المنزل المنهار. أذكر كلماتها جيدّا، رغم أن هذا ماض بعيد على ذاكرتي الضعيفة: "تراب .. كل حاجة راحت". لن أعرض نفسي لشيء مماثل. أفكر كثيرا في السؤال الذي يسألونه من باب اللعب :"لو كان البيت سيقع، وسأختار أشياء محدودة، ماذا سأنقذ؟" عندي بهذا قائمة واضحة جدّا أجددها من حين لآخر. ودربت نفسي: لا يفيد التعلق بشيء، قد ينهار في أي لحظة. البيت: أربعة حوائط لاستقرار عابر، أقرب لنُزُل. ملابسي، كتبي، سريري، أدواتي الشخصية: كلّها أشياء يمكن الاستغناء عنها. الشيء الوحيد الذي سأندم على فقدانه هو كتاباتي؛ وبالتالي: صرت لا أكتب في ورق. وتلف الـ" هارد ديسك" مرّة وضياع ما عليه علمني شيئا آخر: ألا أكتب إلا في المدونة؛ الانترنت الذي يمكن استخدامه من أي مكان. على سفر دائم، رغم أني لا أسافر. وكل مقيم سيغادرني أو سأغادره. أتأمل حنين أمي للبيت الذي نشأت فيه، وأبحث عن حنين مماثل لأي مكان ولا أجده. أرى أشواق أصدقاء قدامى حين يلتقون وأبحث عن شخص أشتاق له شوقا مماثلا فلا أجد كذلك. أتذكر أشخاصا، أتذكر لحظات سعيدة، ولكنّ التذكر غير الحنين. لا أريد لشيء أن يعود. في سفر دائم إلى الأمام، ولا أملك ترف الرغبة في العودة. "ما طمح إلى رؤيته شاهده، لكنه لم يدركه". أنا في تخلّي دائم عن كل ما يمكنني التخلّي عنه. ليس زهدا؛ انعدام قيمة. الأشياء لا قيمة لها. كل ما أمتلكه هو للاستخدام، ليس للتملّك. المسافر لا يبني بيتا في مدينة سيغادرها ولن يعود إليها. قطع ملابسه محدودة، وشنطة سفره بها القليل من المتاع، القليل من الزاد، القليل من الونس.
ذكرتني رواية (هاتف المغيب) بحالتي. الفتى ذو الهاتف الذي يدعوه دوما للسفر نحو مغيب الشمس. "قال إنه لم تدم علاقته بموضع، وعندما يخيل إليه أنه بدأ يعتاد مكانا يبزغ الهاتف، هكذا يفارق ما اعتاد أو ما أوشك الاعتياد عليه .. لا يمكنه الحكم على صلة بمنزل أو دار أو وطن!" هكذا أنا، لم أتعلق بموضع أو بفكرة أو بحالة أو بشخص؛ سأفارق. تساءلتُ : هل لدي هاتف يدفعني لشيء لا أعلمه؟ إذ تبدو لي أحيانا الحوادث والانتقالات المتكررة مفقودة من سياقها. أفتقد السياق الأكبر الذي سيؤدي إليه كل ما يلم بي. ليس ما أريده هدف أكبر، أو غاية نهائية؛ إنما جلّ ما أتمناه سياق واضح. أمّا الرحيل الدائم لنداء هاتف لا أعيه فمربك وينزعني من كل إطاراتي. أحيانا أنظر للأشياء التي أمتلكها بالفعل وأفكر: هل هو نوع من الظلم أن أتخلى عن كل هذه الأشياء؟ أقول عن شيء ما :هيوحشني، ولكنّي أعود فأتذكر كل ما تركته، فأعرف أن الألم وان زاد فهو إلى زوال. وأن غربة البدايات القاسية فارقتني، غربة الآن مُدرَكة معتاد عليها. "وهنت غربته مع اشتدادها". الكل راحل وإن طال بقاؤه. حتّى ما أقوله عن نفسي –هنا أو في لقاءات الأصدقاء- لا أخشاه، في الشهر القادم لن أصبح نفس الشخص الذي قال هذا الكلام؛ لن يكون له قيمة بعد فترة قصيرة وإن طالت.
في أحد أحلامي المشوشّة: أرى جمعا كبيرا من البشر، رحيل يشبه رحيل أهل النوبة عند بناء السد، حولي كل البشر الذي عرفتهم في حياتي، هناك حالة من البريّة والفطرية مسيطرة على المشهد، كأن الجمع عرايا ولكنهم ليسوا عرايا، يمسك كلٌ في يده بإطار للوحة أجهل ما فيها. لا أتذكر إمساكي بواحدة، ولكنّي أدرك في الحلم أن عليّ معرفة محتوى اللوحات، ولا أنجح في هذا. ينبعث صوت من كل الاتجاهات: مميّز، واضح، جليّ، صوت لا ينتمي لشخص ولا لآلة، كأنه "الصوت" في ذاته، يقول جملة واحدة : ".... يا سميّة". يرجني سماع اسمي، ولكن يفلت مني نصف الجملة الأول. قال كلمة واحدة، كلمة جامعة، الكلمة التي تحوي سر حياتي كلّه، كان كأنه يجيب عن كل تساؤلاتي، ولكنّي لم أسمعها. أجري في الحلم، أحاول اقتحام صفوف البشر، أصرخ وأنا أبحث عن مصدر الصوت، يخيّم صمت تام، لا صوت إلا للأقدام الزاحفة لكل البشر الذين عرفتهم، ينظرون لي بلوم، ولا يفهمون شيئا. عندما استيقظت من النوم، كان هناك خواء رهيب يملؤني. كنتُ أدرك بشكل ما أن هذا الحلم لن يتكرر، وأنني كنت أحتاج لمعرفة ما تحتويه اللوحات، وأن الكلمة التي لم أسمعها هي الحل لكل شيء. وأوقن أن لا بديل الآن سوى الركض، سوى مواصلة الرحيل ولكن بخطوات أسرع من خطوات البشر الذين أعرفهم، بحثا عن الصوت الذي فقدته.
يقولون أن على المسافر في الصحراء ألا يخلو لنفسه كثيرا. كثرة الاستغراق داخل الذات قد تضيعها. "الأهم أن يصغي كل إنسان إلى أصوات الآخرين، الامتداد اللا نهائي والصمت الكوني وغموض النجوم في الليل، والاحتمالات الخبيئة المفاجئة، جميع هذه العوامل جالبة للذهول، عندئذ ربما يضل الإنسان، يتوه عن نفسه، وهذا من عوارض السفر الطويل". و"ما كان راسخا يتشظى". مع طول السفر، والصمت الطويل، يلهو المرء عن الآخرين ويغوص داخل نفسه و"إذا جنح إلى انفراد، وأمعن الفكر فيما يستعصي عليه بلوغه، أو تستحيل رؤيته، أو اللقاء به، المفاجآت بلا حصر، المعلوم منها قليل، والمتوقع كثير، وما خفي علمه عند الله!" أنا لم أصل لهذه المرحلة من الصمت، ولكنني على طريق السفر؛ وكل ما أفعله خارج ذاتي هو لإلهائي عن الغوص داخلي. أخشى الضياع فعلا في دوامات الأسئلة التي لا إجابة لها. أخشى في غمرة رحيلي أن أكفّ عن الجميع إلاي، أن أصمت وأغوص في ذاتي فتضيع منّي وأتوه عن نفسي.
ما قاله لي صديق يوما عن أن العمل هو الخيار الوحيد يتطابق داخلي مع المسافر الدائم نحو جهة لا يعلمها. لا خيار سوى تلبية الهاتف الذي لم أسمع ما يخبرني به جيدا. "العمل" بالمفهوم الواسع؛ الحياة. أن أحيا. لستُ أقصد اغتنام اللذات أو الاكتفاء باللحظة؛ ما أقصده هو أن أمارس "وجودي" حتّى ولو لم أكن قد اخترتُه. أن أقيم في المدينة بقدر ما تتاح لي الإقامة. أدركُ رحيلي عن الأشياء قريبا، كل ما أتمناه، أن أدرك إلى أين سيأخذني الرحيل. كل ما أتركه خلفي، كل الأفكار التي ارتديتها وخلعتها، المعتقدات التي تركتها ورائي، الأشخاص والأماكن والاهتمامات – هل سيؤدي بي كل هذا إلى مفهوم أعمق؟ هل هناك سياق فعلا أفتقده؟ أتمنى فقط أن أستطيع رؤية البازل الذي أضع قطعه بطريقة عشوائية لم يتضح لي من خلالها أي ملامح أوليّة للصورة التّي أُكونُها. إذ يخيّل لي أحيانا أن هذه القطع المنفصلة لن تتصل أبدا، وأخشى ما أخشاه أن أصدّق هذا.
"لكم يبدو الفراق القسري وعرا، صعبا، بل إنه سعى وعنده إدراك بظلم خفي حاق به"

الاقتباسات كلّها من : هاتف المغيب – جمال الغيطاني