Saturday, August 6, 2011

خوف مرضيّ


كان لديّ دوما هذا الخوف المرضيّ من الحفلات. ليس الزحام، ليس الضجيج؛ ولكنّه هاجس يقترب من اليقين أنني في لحظة درامية وسط الرقص المحموم، سأكون رافعا إحدى يدي، عينيّ مفتوحتان، والعرق في كل مكان، في هذه اللحظة سأتجمّد تماما. لن يكون بإمكاني الحركة وسأثبت على هذه الصورة. لن يلحظني أحد. وستبدأ أعضائي الثابتة على أوضاع غير مريحة تؤلمني. سأعيش ذل ومرارة الحالة. ستنتهي الحفلة، ويندفع الجمهور فجأة في اتجاهي، وأنا متجمّد. سأسقط وأتحطّم إلى قطع صغيرة متناثرة لا يعبأ بها أحد. يلمها عاملو النظافة مع المناديل وعلب المشروبات الغازية وأعقاب السجائر.

هي أصرّت أن نذهب للحفلة. قلتُ لها أن بإمكانها أن تأتي لبيتي، نسمع الأغاني ونرقص وحدنا ثم حين نتعب نذهب للسرير ونقضي وقتا لطيفا، ولكنّها لم توافق. قلت لها أن الجو حارّ جدّا وأنا أخشى علي جسدها الضعيف ألا يحتمل، لم ترض. قلت لها أن الحفلة مزدحمة والكثير من الرجال هناك قد يؤذونها وأنا لن أستطيع حمايتها من كل هؤلاء، لم تقتنع. نفذت منّي الحيل فأخبرتها الحقيقة، فقالت أنّها ستكون بجانبي وستنتبه لي، ووعدتني إذا تجمدت أن تساعدني على الخروج.

 الجو كان حارّا فعلا، والكثير من الرجال تحرشّوا بها وأنا لم أستطع حمايتها منهم جميعا. الحفلة ساخنة لأقصى درجة، والحاضرون بهم مسّ من الجنون وحمّى من الرقص تجعل الحفلة تموج. غضبتْ منّي لأنني تجاهلتُ الشاب الذي التصق بها.وأنا غضبتُ من نفسي ولكنّي لم أكن لأستطيع دفعه فعلا. ابتعدت عنّي ووقفت ترقص وحدها. كنتُ أرقب رقصها الذي تستفزني به، وألاحظ الشباب الذي بدأوا يحيطونها وأفكّر في شيء واحد: ماذا لو تجمدتُ الآن؟ هل ستساعدني على الخروج كما وعدتني؟ كان عليّ ألا أستجيب لها. كان يجب أن أكون حاسما أكثر من هذا. لمتُ نفسي على ضعفي، ولكن ليس لي من الأمر شيء. كانت تبتعد وأصبحت لا أراها جيدّا. سأتجمّد في أي لحظة وأتكسر ولا ينتبه لي أحد. اقتربتُ منها، كنتُ أريد رجاءها أن تخرجني كما وعدتني عندما أتجمد. لم أستطع أن أصل إليها. رفعت يدي وبصوتٍ رفعته قدر الإمكان ناديتُ عليها. نظرت لي شذرا ولم تُعرني انتباها. لاحظني واحد من الشباب الملتفين حولها. كنتُ خائف جدّا. رفعت يدي مرّة أخرى وأخذت ألوح لها وهي لا تهتم. اقترب منّي الشاب وضربني على رأسي فسقطتُ على الأرض. لم أفقد الوعي تماما. كنتُ مدركا ما يحدث، أشعر بالأقدام من فوقي. ولكنّي لا أستطيع الحركة. الألم في كل مكان. سأتكسّر الآن إلى قطع صغيرة متناثرة لا يعبأ بها أحد. يلمها عاملو النظافة مع المناديل وعلب المشروبات الغازية وأعقاب السجائر.

Wednesday, August 3, 2011

كحل أسود

انكببتُ على العمل الذي أنجزه من البيت بشراهة. كان الضيق يملأ صدري فقررت أن أقتل إحساسي تماما. عملتُ كالحمار. كتبتُ ألف كلمة من الألف وخمسمائة المطلوبة وقررتُ أن آخذ استراحة. أخذتُ جولة في الغرفة فاكتشفتُ قلم الكحل الجديد، هديّة صديقتي التّي لا أحبّها. أخذته لأجربّه.

أمام المرآة:
عينيّ واسعتان. بارزتان للخارج. كحلتهما من الداخل. ثم استغرقتُ في النظر لهما. أغوص. أخذتُ القلم مرّة أخرى وأضفتُ خطّا سميكا تحتهما. أعجبني. لونت الجفن بالكامل. أعجبني أكثر. تأملتُهما. ثم لونت المنطقة بين الحاجب والعين. وثخنت حاجبي جدّا. تذكرتُ أن زميلتي التي تشاركني السكن بالخارج فذهبتُ لأغسله. رنّ الهاتف قبل أن أنتهي. خرجت من الحمّام وقد ساح الكحل على وجهي كلّه وإن بقى السواد حول عيني. جففته سريعا بمنديل. قطرات الماء المتبقيّة كانت كالعرق. استقبلتُ المكالمة المستفزّة. وأغلقتُ في وجه المتصل. في طريق عودتي إلى الحمام كنتُ أكلّم نفسي بغضب وأسبّ بألفاظ بذيئة وأنا مغمضة عيني. ذُعرتُ على هزّة من يد زميلتي. وجدت الهلع على وجهها: "مالك؟" رددتُ بغضب: "تحولّتُ لعبادة الشيطان." قالت ببساطة مخلّة: "بس احنا في رمضان والشياطين متسلسلة". أخبرتها أن هذا بالذات هو السبب الرئيسي. لأنّه سيكون مشغولا بفك سلاسله وأصيع أنا براحتي. نظرت لي البنت في بلاهة. قررت أن أمارس اللعبة لآخرها فأدرت موسيقى ثقيلة وارتديتُ ملابس سوداء وأطلقت شعري بلا رابط. وأمضيت اليوم كلّه كلما تكلمت معها تكلمت بصوت غليظ. سألتني في الليل قبل أن ننام: "لمّا رمضان يخلص، هتعملي ايه؟" صدمتني. لم أجد ردّا حاضرا في ذهني. فكرتُ قليلا ثم قلتُ:"هغسل الكحل". هزّت رأسها في تفهم ونامت. ونمتُ أنا الأخرى. في الحلم جاءتني وحوش حول عيونها أسود جدّا وحواجبها ثقيلة، تسبُني بألفاظ بذيئة وتلتهم مخي.