Thursday, June 30, 2011

يومٌ جديد

اليوم يوم جديد.

يوم الأمس بدا لي كيوم مرحليّ فصل بين حياتين. اليوم تبدأ حياة جديدة. نمتُ اثنتي عشرة ساعة. ولواحدة كانت الست ساعات تمثل لها انجاز، يمكنني اعتبار هذا معجزة. نوم هادئ تماما. لم أستيقظ بعد ربع ساعة من النوم بسبب كابوس. لم أستيقظ بدون سبب لأحدق في السقف وأبكي. لا أتذكر شيئا من أحلامي. ولم أفتح عينيّ طوال الليل. لم أستيقظ إلا بسبب تليفون من شخص كان لديّ معه ميعاد. توقفتُ عن استخدام المنبه منذ فترة، لا أحتاجه. لا أنام أساسا. دخلت السرير أمس في منتصف الليل وتوقعت أنني سأستيقظ بعد ما لايزيد عن ثلاث ساعات كالعادة. أو على أحسن الفروض، قبل شروق الشمس لأبدأ طقوس التحوّل. لم يحدث أي شيء من هذا. نمتُ حتّى أيقظني التليفون. 

الجو لطيف اليوم. هادئ. البيت هادئ كذلك. أمي قالت لي: صباح الخير وهي تبتسم. أحاول أن أستعيد علاقتي بالموجودات حولي. رتبت الغرفة. رتبت الورق الكثير المتناثر وصنفته. أزلت التراب من على شاشة الكمبيوتر. قصصت أظافري وأزلت المونيكير. استمعتُ للأخبار بتركيز واهتمام. أدرتُ مقطعا موسيقيا قديما ليانّي. مقطعا قديما بالنسبة لي، يعيدني لأيام توحدي السعيد بنفسي. كأنني أستعيد صفاء ذهني في الربيع. 

أبدأ علاقات جديدة بالحياة. أمامي طريق طويل من التخبط وعدم الفهم. ولكن اليوم يوم جديد. والحياة القادمة جديدة. وأنا أستعيد جزءا من نفسي. كيف انفصلت كل هذه السنوات عنها؟ الإحساس الذي بداخلي لم أشعر به منذ سنوات بعيدة جدّا. منذ أيّام البيت القديم. كأنني بدأت أستوعب. في الفترة الماضية، كنت أستيقظ كل يوم بانفصال تام وفقدان ذاكرة مؤقت. وأستغرق وقتا في إعادة الاتصال بالعالم، ولكنه كان دائما اتصال وقتي. ينتهي بانتهاء اليوم. وأظل أعيد على نفسي المعلومات الخاصة بهويتي ولا أفهمها. نظريات مجردّة. اليوم أشعر أنني أستوعب. أفهم. أنا سميّة. أنا في البيت الآن. أنا أدرس اللغة الإسبانية. أنا أكتب. أنا لديّ أحلام وطموحات. أنا أحب هذا وأكره هذا. 
إعادة تعريفات للعالم. إعادة فهم. أمامي طريق طويل جدّا. خائفة منه. ولستُ متفائلة تماما. أعرف أن الأشياء كلّها صعبة، وأعرف أن الحياة ثقيلة جدّا. ولكن على الأقل أنا أفهم الآن وأستوعب. لستُ حزينة. لستُ سعيدة. يكفيني جدّا الفهم الآن. يكفيني جدّا الفهم، وبدون قرارات. يكفيني جدّا أن أستلقي على السرير أستمع ليانّي، وأنا أعرف أن هذا يانّي، وأنني على السرير، وأن هذه غرفتي. يكفيني جدّا أن أكون متأكدة أنني أنا التي اخترت يانّي. ويكفيني جدّا أن أكون واعية لأنّ هناك آيس كريم في الثلاجة، وهناك فيلم لوودي آلان على الكمبيوتر، وهُناك معلومات عن الإسباني تنتظرني. يكفيني أنني نمتُ الليل كلّه، وأنني استيقظت في الصباح. وأنني لستُ غاضبة.

لا أريد الآن شيئا آخر. أريد فقط من الموت أن ينتظرني، ريثما أنهي تدابير الجنازة في الربيع الهش. والموت ليس موتّا. موت ما مضى، وبدء حياة جديدة. فقط أريدُ أن أحب نفسي قليلا. فقط أريد أن يحبني العالم قليلا. فقط أريد أن أحيا. فقط أريد أن أكون نفسي لا شيء آخر.

وبي شَبَقٌ إلى ما لست
أَعرف . قد يكون ” الآن ” أَبعَدَ .
قد يكونُ الأمس أَقربَ . والغَدُ الماضي .
ولكني أَشدُّ ” الآن ” من يَدِهِ ليعبُرَ
قربيَ التاريخُ

اليومُ، يوم جديد. وغدا ننظر، فنرى.

-----------
*الجمل الملونة من جدارية درويش كالعادة. درويش قال كل حاجة.

Monday, June 27, 2011

طاقة زائدة

في شقتنا القديمة، كان التليفون يوضع على حامل خشبي صغير في الصالة. وإذا أراد أحد أن يستخدمه، يأخذه ويجلس على كرسي في أحد الأركان. كنتُ أفضل الوقوف و "الفرك" على حد تعبير جدّي الله يرحمه. وكانت أيّام ثانوي هي أيّام الرغي في التليفونات، فكان الوقوف يمتد طويلا. أقف وأروح وآجي و"أفرك" ولا أثبت في مكان. عندما انتقلنا للشقّة الجديدة، سلك التليفون صار قصيرا، ووُضع التليفون على منضدة بجانب كراسي الأنتريه. ولم يعد هُناك مساحة كافية للحركة بالتليفون على الرغم من اتساع الشقة نفسها. أصبحت مكالمات التليفون ثقيلة عليّ للغاية، وأبدّل مكاني من وقت لآخر، ولو المكالمة سخيفة أصلا ومملة، لا أطيق وأضطر للإعتذار من محدثي دقائق آخذ فيها جولة في الصالة، أشرب، أغسل وجهي، أي حركة، ثم أعود. في المحاضرات في الكليّة القديمة، ملل السنين، كان الجالس جانبي يشتكي من كثرة الحركة، أهز قدميّ، أتكتك بالقلم، أضع قدما على قدم، ثم أبدل وضع القدمين، ثم أرفع قدمي الإثنتين فوق المدرّج، ثم أعود فأتكتك بالقلم، لا أهدأ حتّى تنتهي المحاضرة فأقفز لأغسل وجهي. أكتب بسرعة، لا تفوتني كلمة، وأتحرك بسرعة لو كنت أرتدي ما يسمح، وفي أيّام ثانوي كنت أفتعل شجارا مع البنات حتّى أسبقهم فلا يسيروا معي، لأن حركتهم مملة وبطيئة. ومنذ دخلت الجامعة، تنقلت بين عدد كبير من مجموعات الأصدقاء والأنشطة والإهتمامات. وغيرت الكليّة كلها بعد سنوات من الدراسة عندما نفدت قدرتي على الاحتمال. ودوما كان انتقالي بين الأشياء سريعا. أحيانا، كنت أتخيّل نفسي مثل الوحش في فيلم الكارتون Nine .. أعيش على الطاقة التّي أمتصها من الأشياء حولي. وإن كان لفظ الإمتصاص ليس مناسبا، وأنا أصلا مش وَحْش يعني .. ما بموّتش :)
المشكلة أنني أقع دائما في فخ الندم ولوم الذات. وأخبر نفسي أشياء لطيفة للغاية عن "قلة أصلي" وعن "عدم الإخلاص" وعن "عدم الصدق" .. جحيم كامل التكوين. ولا أجد حلا في المنتصف، اللعنة على الحلول الوسطية أصلا.

تقول لي أمّي:"سميّة، الناس ما بتجريش يا حبيبتي في الشقة .. بيمشوا". انتبهت أنني لا أمشي فعلا، أجري. في الشارع لاحظت أنني أقفز، أقفز فوق الرصيف، أقفز الأربعة سلالم الأخيرة في نزولي، وأصعد سلمتين معا في صعودي. أخرج الكارنيه من المحفظة وأنا أعبر الطريق، حتّى لا أقف لحظة عند البوابة. أقدّر أسرع طريق للمدرج، والأسرع أي الذي لا يمر بتجمعات كثيرة للطلاب. أتشاجر مع طالبة أمامي على السلّم لأنّها تتحرك ببطء. لا أنتظر المصعد في النزول لأنني أتوتر في اللحظات التي نقف فيها، وأصل قبلهم إلى الأرضي. أقرأ الرواية في ساعة واحدة برغم أن المتوسط العام لقرائتها ساعتين.أنهي امتحان الساعتين في ساعة إلا ربع. أعبر الطريق جريّا، وأحرص عند وصولنا محطّة النزول أن أكون أول واحدة على الباب حتّى لا أحتك ببطء من أمامي.

لا أظنني شخصية سريعة. أمّي تقول عنّي "قلابة وبهوجة ومالكيش أمان". أعتنق فكرة ما، ثم ألقيها عندما أستنزفها وأمسك غيرها. أتطوّر دائما. أصاحب فلانا، ثم يخنُقني، فأرحل. لا أعرف العيش وسط قواعد وروتينيات. أفضل التنطيط. بالي طويل بالمناسبة، شريطة أن نبتعد عن القيود. فعل التنفس بالنسبة لي أهم من فعل الحب. البراح. لديّ طاقة زائدة، لابد أن أخرجها طول الوقت. لو لم أفعل، تخنقني هذه الطاقة، تدمرني ذاتيا، وتخرج في صورة عنيفة. نفاد صبري مرهون دائما بتقييد الطاقة.
لا أعتقد أن هناك أشياء كثيرة في الحياة تناسب جموحي. الاجتماعيات جحيم. الدراسة الروتينية مأساة. الارتباط التقليدي قاتل. الاشياء التي لا تتطور بتطوري، ولا تتغيّر معي تُميتني. إن لم أجد جديدا أقوله مع فلان، ستصبح علاقتي بفلان مستحيلة. لن أستطيع أبدا أن أكرر. أعطني شيئا جديدا يدفعنا للاستمرار.

هذه الفترة، تملؤني طاقة غضب. غضب عنيف ولا أجد له مخرجا. أحاول دائما كتم انفعالاتي. أسكت كثيرا وعندي ما أقوله. أضحك بصوت عالي، وأنا لا أريد أن أضحك أصلا. وليس من متنفس للمشي بسبب الامتحانات، والحر طبعا، فأظل أتحرك في الشقة طوال اليوم. أجلس لأذاكر ربع ساعة، وأقوم لأغيّر الموسيقى التي أسمعها.حتّى نشاط التدوين الزائد ليس إلا محاولة لتفريغ الطاقة. لو حبست كل هذه الأشياء في رأسي، ستنفجر. لو كتمت كل انفعالاتي بداخلي، سأموت. الورقة تمزقت اليوم وأنا أكتب فوقها. كنت أحكي لنفسي شيئا ضايقني، تمزقت الورقة من ضغطي بالقلم. أكلّم نفسي كثيرا، وأحلم أحلاما عنيفة، فيها قتل وموت. أنا لست بهذا العنف، قلبي أضعف من احتمال كل هذا. فأبكي. أضغط على نفسي وأقول: انتِ هتبقى كويسة. أقول لي أشياء جيدة عنّي. المشكلة أنني فعلا، أقسم، لا أصدق حرفا.

أفكر أنني يجب أن أعيش الشيء لآخره. بما إنّي شخصية "هوجة" يجب أن أصل لقاع النهر. التوسط يُصيبني بالجنون. ربما يجب عليّ أن أنفذ قرارا بالانسحاب، بالرحيل. أن أدع لنفسي مساحة لتفريغ الغضب في التفكير المرتب. أن أعيش الإكتئاب لآخره. لن أصل بطريقتي الحالية لشيء. أعرفني عندما أنفصل عمّا حولي. لن أصل لشيء. كل هذا الصراخ لن يؤدي إلا لمزيد من الاغتراب والانفصال. أحتاج أن ألقي بكل شيء جانبا، وأبتعد. كل هذا الصراخ لابد أن يهدأ. ولا بد من متنفس هادئ للطاقة، بعيدا عن كل هذا الإزعاج. أن أحاور أشباحي حوارا بناء، علنّا نتصالح ونتفق.

أنا لستُ منّي إن أتيتُ ولم أصل.

Sunday, June 26, 2011

التمرد على الأسطورة

راهنت نفسي الليلة. قلتُ سأنتظر حتّى تشرق الشمس ويبدأ اليوم الجديد لأعرف حقيقة ما يحدث لي. هذه قفزة على بداية الحدوتة. الحدوتة التي تقول أنني في كل ليلة وقبل شروق الشمس بقليل أبدأ طقوس التحول. أسطورة سميّة. يملأ نفسي الضيق، أشعر بعدمية الحياة، تأتيني كل الأفكار السوداوية، أفكر في أمور مثل الانتحار وغضب الله، وأمور مثل الهروب من الجحيم ووهم الجنّة، أشياء لطيفة كهذه يعني. ثم أكتب في هذه المدونة المسكينة تدوينة يظللها السواد، حاجة كده ما يعلم بيها إلا ربنا. وتستمر الحالة بنت الكلب هذه إلى أن يبدأ اليوم الجديد، وأوقن أننا أصبحنا انهارده، وأن الليلة صارت امبارح، فأهدأ. أستهدى بالله كده، أقول لنفسي: معلشي. أتلقى ردود فعل طيبة على التدوينة السوداوية فأبتهج. ثم أذهب لأنام. وأصحو مع غروب الشمس، وأكرر الأسطورة مرة أخرى. الليلة الفائتة راهنت نفسي. بدأت بحدث لطيف. ثم ذاكرتُ قليلا. وبعدها كانت لي دردشة وديّة طيبّة مع صديق. وانتهت قبل شروق الشمس. فكرتُ للحظة أن أنام. إذ أن غالبا لن يحدث شيء آخر جميل بل بالعكس ربما يُفسد القادم ما حدث بالفعل، وعصفور في الايد ولا ألف ع الشجرة. ولكنّي كإلهة متحولة بطلة أسطورة وقد الدنيا، خجلت ألا أواجه مصيري. وقلتُ لنفسي أن التحوّل وإن كان كئيبا، فهو حتميّ. وأنتِ جديرة بتحولاتك مهما كان. وذكرت نفسي في خباثة: تحول في الصحو، خير من تحول من المنام. لا داعي لتذكيرك بأحلامك التي تخشين من تسميتها كوابيس عشان ما يبقآش شكلك وحش بس، وبما أن كده كده لن يأتيك النوم بسهولة، فلا داعي لتكرار محاولة النوم عمدا، تعلمين ما تؤدي إليه. حسمتُ أمري ووقفت في البلكونة أنتظر الشروق، بقلب أسد. 
ما حدث بعدها كان الآتي:
أولا: لا أظن أنني رأيتُ شروقا بهذا الجمال منذ مدّة طويلة جدّا. حمرة السماء كانت مذهلة. النسائم رقيقة جدّا. ورأيتُ القمر ونجمتي -التي أعلم أنّها كوكب- ولم أكن قد رأيتهم معا من مدّة. أنا أحب نجمتي هذه جدّا. وأسميها اسما سريّا لا يعلمه سوانا.
ثانيا: حسمتُ قرارا بالكتاب الذي سأقرأه هذه الأيّام. أخيـــــــــــرا. بغض النظر عن أن القرار كان بإعادة قراءة رواية قرأتها من قبل مرتين، إلا أنني سعيدة على أي حال. سأتخلص من فوضى الكتب التي لا أستطيع أن أفاضل بينها. لن أشتري كتبا جديدة فالميزانية لا تسمح. ولن أغامر في كتاب جديد لا أعرف إلى أين سيأخذني. على الأقل أنا أعرف الذي ستفعله في هذه الرواية، وهو أمر جيد على كل حال.
ثالثا: حسمت قرارا آخر، بأنني لن أعتبر نفسي من مواليد برج الجدي. وهذا قرار نهائي. اممممم. أنا أحب القراءة عن الأبراج وصفاتها وكل هذا العبث الذي لا طائل منه. يساعدني على توصيف نفسي بشكل أفضل. أقرأ مثلا صفة ما في برج الجدي اللعين الذي أنتمي له، فأقول: لأ.. أنا مش "كده" .. أنا "كدهون". وبالتالي أكون وصفّت هذا ال"كدهون" الذي لم يكن موصفا من قبل. وأنا كلما قرأت في برج النيلة الجدي أجد أشياء تغيظ. يقولك: شخصيات الجدي محافظة. أنا محافظة يا حيوان؟ .. عمري في حياتي يعني. كان يشككني في نفسي. لدرجة إنّي مرات أعيد التفكير في نفسي، وأقول لنفسي: بطلّي كدب بقى، انتي محافظة بس انتي مش واخدة بالك. ثم إنني أصلا، 26/12 يعني متأخرة عن القوس بثلاث أيام فقط. في حين أنّي أبعَد عن مركز الجدي نفسه. اليوم قرأت صفات برج القوس بالصدفة، وجدته تقريبا يتحدث عنّي. كان ناقص يكتب في النهاية:"لمزيد من التفاصيل روح صاحب سميّة". حسمت أمري وتوكلت على الله. أنا برج القوس، وأعلن من الآن أنني لا أعرف الجدي ولا يعرفني، في النهاية أنا حرّة يا عم أكون زي ما أنا عايزة. قال "محافظة" قال.
رابعا: اكتشفت شيئا عن نفسي. لن أقوله ولكن يكفي الإشارة إلى أنني ربما لستُ بالسوء الذي أتخيله. وقررتُ قرارا لن أقوله أيضا ولكن الإشارة إلى أن هُناك أمل في أن أصبح أفضل.

بناء على ماتقدم وصلت لنتيجة ما مفادها أن وجود أشخاص نحبهم في الحياة يُطمئن. وانسحابهم منها يُخيف. ويحولها لمكان غير محتمل. حاجة كده زي : ـ
.I don't exist when you don't see me.

أظن أن الطمع في أشياء أخرى سيعد حماقة. المشكلة ليست في الطمع نفسه، الطمع حلو، إنما القضية قضية إنّه أنا أخذت أكثر مما ينبغي هذه الليلة. والمفروض أستغل فرصة انشغال آلهة الشر عنّي في العكننة على المساكين الذين يبدأون يومهم الآن، وأنام قبل أن يكتشفوا أن الإلهة المتمردة الصغيرة حصلت على ليلة لطيفة رغما عن أنوفهم. استنفدت فرصي في العبث مع الآلهة الشريرة. خصوصا، أنني لا أضمن نفسي. لدي موهبة التحوّل التلقائي عموما، بدون سيطرة من أي آلهة، وببساطة شديدة أستطيع أن أقلب كل شيء لضدّه، وأرى كل ما حدث بزاوية أخرى قاتمة. سأستغل المزاج الجيّد الآن لأخبر نفسي أنني أستحق ليلة هادئة فعلا، وأستحق ألا أفسدها. وكفى. 

الدروس المستفادة: نذاكر. نقرب من الناس اللي بنحبهم. ناخد قرارات حاسمة. نموّت كل الأشرار.

أحلام سعيدة يا سميّة.

Friday, June 24, 2011

تجلّي

كانت الشمس قد أشرقت، وأنا لم أنم بعد. الإرهاق يتملكني بشدّة. وعظام جسمي تؤلمني. ثمة ألم بالأسنان وزكام يسببان لي صداعا، والصداع يؤلم عينيّ. متعَبة فعلا. كنت أحدق في الشاشة. أقرأ نصّا قديما لك. قديما جدّا ربما قبل حتّى أن أعرفك. أقرأه وأبحث عنّي فيه، وأبحث عنك فيه، وأشعر بالخوف.تأملت شكل الحروف المطبوعة طويلا. فكرت أنّها ربما تخبرني شيئا. أغمضت عينيّ للحظة واحدة، لأتحاشى الدموع، فرأيت عينيك تحدقان في عينيّ بتركيز. لم أخف، على العكس. شعرت بأمان مفاجئ. رغم أن عينيك قالتا لي: "أنا أعرف أنك هنا. أنا أعرف أنّك تتلصصين عليّ. أنا أعرف أنّ خيالك أوسع من واقعك". لكنّي قلت لنفسي: سترقصين حول العالم، لا داعي للخوف إذن. فكرت في الأشياء الجيدة التي ستحدث لي. لم أصدقها الحقيقة. ربما أنا بالغت في كل شيء. بالغت من البداية. بالغت في الفعل وردته. ربما وضعت نفسي في سياق ليس سياقي، وفرضتُ على نفسي حب أشياء ليست بالضرورة أشيائي. قلتُ أنا سعيدة، وأنا لست كذلك. قلتُ أنا متفائلة وأنا لست كذلك. وقلتُ ستحدث لي أشياء طيبة، وأنا لا أصدق أنني أستحقها. تتجسد لي كل أشباحي. أنا لدي أشباح نعم، لدي عفاريتي التي تلازمني منذ الطفولة. لا يعلم أحد عنهم الكثير. أنا نفسي لم أعلم عنهم الكثير من قبل. الآن أفكر بإعطائهم أسماء. الأسماء تجعل التعامل أسهل، أوقع. لن أخبرك بأسمائهم. هل تعرف ما هو أكثر الأشياء التي تخيفني فعلا؟ أن تنتهي بي الأمور لما كانته من قبل. هل تعرف من أكثر الأشخاص الذين يخيفوني؟ أنا نفسي. لا أرى أحدا يستحق التوجس منه والكراهية مثلي. صدقني، أنا لست بهذا الجمال الذي تتوقعه. وحين أسألك: هل أنا جميلة فعلا؟ فأنا أكون فعلا في حاجة لإجابة.. أجبني باستفاضة. وأجبني بأشياء تصدقها. ليس هناك أسوأ من المجاملات. ليس هناك أسوأ من الإدعاءات. بلى، هناك أسوأ. هُناك أن تقضي لياليك كلها وحيدا وممزقا تماما، تشاهد فيلما عن الإغتراب في ذواتنا، وتقرأ نصوصا لشخص تُرهقك بقدر ما تُسعدك، وتكتب كثيرا كثيرا، ثم لا تنشر شيئا لأنك تراه لا يستحق. الأسوأ أن ترى نفسك لا تستحق.
الحياة غير محتملة. الفرد يقضي وقته من أجل إنهاء حياته فقط. يحاول بدأب أن يختصرها قدر الإمكان. الليل يُطيل الوقت جدّا. فعلا. الوقت ليلا لا يمر، أبدا. الليالي طويلة. والنهارات حارّة ومزعجة. لكنّ ربما يظل الحرّ محتملا عن الوحدة. الليل يجب أن ننامه. لأن الأحلام، على صعوبتها، أهون كثيرا من ألم الشعور بأنك تُزجي الوقت. تُحايله. أنّك ستقبل يديه وقديمه ليمضي في سلام. دون إضافة أشباحا جديدة. أرجوك يا وقت، العدد مكتمل. لا يوجد مكان للمزيد. أعتقد أنني سأرحل قريبا. يجب أن أحب نفسي، أو أقتلها. ولا أي بوادر ود متبادل ولن يمكنني العيش في ظلّها طويلا. كل الأشياء تسير عكس ما تمنيتها. "لكل فرد موهبة، وأنا امتلكت ثلاث". لا مكان لي هنا. مواهبي لا تُهم أحدا. لا تهمني أنا نفسي. أحد أهم مواهبي على الإطلاق: القدرة على إثارة شفقتي على نفسي. مُبهرة في هذه النقطة تحديدا. لن ترى أحدا أكفأ منّي.

عمّا كنّت أحدثك في البداية؟ آه، عن عينيك اللتين ومضتا لي بعد التحديق في نصك .. هل يمكن أن ترسلهم لي كل يوم؟

Monday, June 20, 2011

ولا تُصدقني .. أعود ولا أعود

تقول صديقتي: "الأحلام الكتيرة كويسة .. اللي بيحلم كتير بيبقى متصالح مع ذاته الداخلية". أجيبها: "فعلا؟" وأبتلع إجابتي الأخرى: "بس أنا مش متصالحة مع ذاتي .. يعني ايه أصلا متصالحة مع ذاتي؟".
أريد أن أخبر الجمع الصغير الطيّب عن أحلامي ولكنّي أتراجع. أفكر في أن أحكي أحلامي المخيفة لصديقتي التي تهاتفني يوميا لتطمئن أنني ما زلت حيّة، ولكنّي أتراجع كذلك. أفكر أن أحكي لصديقي والذي لدي معه أغرب وأمتع علاقة في حياتي، وأتراجع. أخشى أحلامي في كل الأوقات. أخشاها وأنا بداخلها، أخشاها وأنا أتذكرها، وأنا أحكيها، أخشاها حتّى قبل أن أحلمها.


أستيقظ من النوم وأنا أبكي بشدة. قريبة لنا ماتت في الحلم. وكنت مسؤولة عن موتها إذ كان عليّ أن أعود مبكرة للمنزل، ولم أفعل. اندمجت في حديث عبثي تماما مع شخص يثير غيظي كلما رأيته، ولم أعد للبيت في الوقت المناسب. وسبّب هذا موتها بشكل ما. أبكي كثيرا في الحلم، وأستيقظ في اللحظة التي كنت سأموت فيها من ضيق التنفس في الحلم. عانيتُ من ضيق التنفس بعدما استيقظت، ولم أمت كذلك. بكيتُ كثيرا كالعادة. تذكرت أنني لم أزر قريبتنا هذه من مدّة طويلة. لم أقرر أن أزورها، واندهشت من أنني لم أقرر. رد الفعل الطبيعي أن أزورها، لكنّي لن أفعل. لا أريد.


أريد أن أحلم بأشياء معينة. لماذا لا أمتلك هذه الرفاهية؟ أركز ذهني قبل النوم في الألوان والأشكال الوهمية. أريد أن أحلم أحلاما لا أفهمها. لا أريد أحلاما بهذا الوضوح. تُخيفني. أنا خائفة بما يكفي في واقعي، ألا يوجد أمان حتّى في الأحلام؟ الأحلام انعكاس للواقع، وهذا ليس عدلا.


يقول لي صديقي الذي تُمتعني علاقتي به: "كملي وما تخافيش .. انتي شجاعة". وأردت أن أخبره أنني خائفة فعلا. وأنني لست شجاعة. وسكتُّ. العالم بالنسبة لي واسع لدرجة الوَحْشَة، ضيّق لدرجة الاختناق. البعض يقول: أحتاج أن يحتضنّي أحد. أنا لا أحتاج حُضنا. أنا لا أحتاج شيئا. أنا أريد أن يكف العالم عن احتضاني. "يعتقني". ينزاح عن صدري، يدعني وشأني. أنا لم أنم طول الليل. أنتظر أن يحدث شيء. أي شيء. وخاب أملي. لا شيء يحدث لي. روحي تثقل عليّ. والعالم يضيق من حولي. غُرفتي صارت أضيق من المستطاع. الكُتب فارغة. التليفزيون مزعج. الموسيقى سهلة. كُرسييّ عربة المواصلات لا يسعانّا أنا وجاري في العربة، فيلتصق بي. والعالم لا يسعني أنا والبشر جيراني في الحياة فيجلسون فوق صدري. والبُكاء صار مبتذلا. الشكوى مبتذلة. الضحك مبتذل. التفكير مبتذل. كل الأشياء مبتذلة. أنا نفسي.


يقول لي صديق:"فترة وهتعدي". وأريد أن أخبره أنّها "مش هتعدي". وأصمت. إذ لا فائدة من التعقيب. الشوارع حارّة ومزدحمة بالحماقات. أكره ملابسي والحذاء. يكتمون أنفاسي. أكره الشنطة على كتفي. أكره نظرات الناس. أكره أن أكون وحدي. أكره اختلاطي بالبشر. أكره كل الأشياء. أكره الشيء وأكره مقابله. لا أريد شيئا. لا شيء يستحق. كل شيء عديم القديمة وكل شيء لا يؤدي إلى شيء، لم كل هذا العبث إذن؟


يقول:"بحتاجلك". تقول:"بحتاجلك". يقولون:"بنحتاجلك". وأنا أبذل قصارى جهدي ألا أترك أحدا في حاجة. الجملة المتوقعة التالية:"وأنا مين هيديني اللي بحتاجله؟". ولكنّي لا أحتاج شيئا. لا أحتاج شيئا. أحتاج نفسي. أحتاج أن أكون أنانية بما يكفي. أحتاج أن أكره العالم بما يكفي لأن لا أشفق عليه. أحتاج ألا يحتاجني أحد. لا أحد يفيد أحدا بشيء. لا معنى لأي شيء. لا، لا أريد أن أموت. لن أموت.


ظلم. ظلم بيّن. ماذا سيضير العالم أن يمنحني شيئا جيدّا أصدقه؟ هل قلتُ من قبل أن العالم عادل؟ ليس عادلا.  مُجحف. أنا انتظرت الليل كلّه، أنا أنتظر من أسبوع، أنا أنتظر من شهور، أن يحدث شيء جيد.. لم يحدث. لن يحدث. متأزمة جدّا من كل شيء حولي. من كل شيء داخلي.


- "انتي مش ناوية ربنا يهديكي بقى؟"
- "مش عارفة .. ما تسأليه؟"



- "انتي مش ناوية ربنا يهديكي بقى؟"
- "لأ .. مش ناوية"

Saturday, June 11, 2011

أحلام واقعية

لم يكن للنوم سبيلٌ إليّ. الجو حارّ جدّا والرطوبة مرتفعة. الهواء ساخن سخونة الجحيم، والمروحة تُحركه فيصطدم بجسمي ويؤلمني. ولكنّي لا أستطيع ألّا أديرها؛ سأنصهر حرفيا. أدرتُها على درجة منخفضة. وحاولتُ أن أنام. محاولاتي باءت بالفشل لمدة ثلاث ساعات. قررت أن أنام وليحدث ما يحدث. جعلت المروحة على السرعة القصوى، ووضعت رأسي تحتها وأغمضت عينيّ وقلتُ سأنام. ولم أنم. وقعت في المنطقة المخيفة بين النوم وعدم النوم بين الإفاقة والاستغراق. كنتُ أعي كل شئ. تداخل الواقع في الحُلم. كنت أعرف أن هذا واقع وأن هذا حلم، ولكنّ درجة وعيي بالحُلم كانت مرتفعة لدرجة مؤلمة.وأحداث الحلم اقتربت بشدّة من الواقع، حتّى كادت أن تصيره. المروحة تهدُر فوق رأسي، والهواء الساخن يضرب جسدي والصداع أصبح غير محتمل. مغص شديد في بطني لا أدري سببه وغثيان، وفي الحلم كنت أرى أطعمة تزيد الغثيان ولا أستطيع أن أدير وجهي عنها حتّى. أرى أختي تدخل الغرفة، أريد أن أصرخ بها أن توقظني؛ لم أستطع. تمنيتُ أن تهدئ سرعة المروحة قليلا، كنتُ على حافّة الجنون؛ ولم تفعل. وخرجتْ من الغرفة وأنا أرقبها وأكاد أبكي. بكيتُ بالفعل من فرط الإحساس بالمهانة والعجز. الحرارة تجعل عينيّ تدمعان وأغرق في العرق. الغطاء خشن جدّا، يجرح جلدي، أريد أن أرفعه عنّي ولا أقدر على رفع يدي. في الحُلم كل الأشخاص الذين أكرههم يعبرون أمامي. كنتُ أشعر أنّهم يرونني في هذه الحالة ويفرحون. كنتُ أقول: حلم يا سميّة .. حلم. وكنتُ خائفة حتّى الموت، وهُيئ لي في لحظة أنني سأظل هكذا للأبد. صوت التليفزيون يأتيني من الصالة مرتفعا جدّا وأشخاص يصرخون في الحلم بكلام أشعر أنني يجب أن أسمعه ولا أستطيع أن أركز فيه من صوت التليفزيون. هناك أشخاص يصيحون في الشارع، وهناك صوت قرآن يأتي من مكان ما، وأنا محبوسة في الحلم بين السرير والدولاب وفقدت صوتي. كلمتُ المروحة، رجوتها أن تكف عن الهدير. بدا هديرها كأنّه المحرّك.. كأنّه الموسيقى التصويرية التي إذا توقفت، سيصبح كل شئ أهدأ. قلتُ: سأموت. لم أخف من الموت، لكنّي كرهتُ أن أموت بهذه الطريقة.
ثم فجأة، فتحتُ عينيّ. استيقظتُ ولا أدري لمَ. ظللت لفترة لا أستوعب ما حدث وما يحدث. حاولت أن أقوم من السرير فسقطت على الأرض من الإجهاد. وبكيتُ كثيرا جدّا. الصُداع ينزل علي عينيّ ولا أستطيع تحمّل الضوء. ودوار رهيب يمنعني من تحريك رأسي أي حركة إلا بهدوء وبتركيز. قلتُ: على الأقل لا زلتُ حيّة.. لم أمُت. وناديت على أختي لتأتيني بمسكن للصداع.

Thursday, June 9, 2011

لأ

أظنُ هذه نقطة أخرى جديرة بالتوضيح.
عندما تسألني أمي: أجيبلك تاكلي؟ .. فأجيبها بأن: لأ
لا يكون للأمر علاقة بكوني “مش جعانة” أو بكوني “نفسي مسدودة” ولا يذهب فكر أحدكم بأن له علاقة بأمي نفسها. بالأمس كنتُ في الخارج، ووقفت أمام قائمة الطعام في المحل وسألت نفسي: أجيبلك تاكلي؟ .. فأحبتها كذلك بأن: لأ.
والأمر أعمق. فأنا عندما تحاول أمي إغرائي بتعديد أصناف الأكل المتوافرة، أو حتّى عندما كنتُ أتأمل قائمة الطعام، صدقني لم أكن أفهم.
لنأخذ مثال قائمة الطعام في محل الأكل. كنتُ أقف أمام القائمة وأذكر جيدا أنني لم أقرأ اسم صنف واحد، على الرغم من كوني جائعة فعلا.
إذا فصلتُ نفسي عن حالة التوهان وسألتني: جعانة؟ سأجيبني: آه. وإذا وضع الأكل أمامي، سآكل. ولكن قرار أن آكل يبدو صعبا جدّا.
أقف مع نفسي لحظة، أتخيلني وأنا آكل، فلا أحب الحالة. “لأ .. مش هاكل” ..
الأمر معقد فعلا، وكل الأمور معقدة جدّا هذه الأيام. وغالبا هي معقدة منذ البداية، الفارق أنني أدركت تعقيدها الآن فقط.

Wednesday, June 8, 2011

تمرّد

قلبي يدق أقوى من المُعتاد. ليس أسرع ولا أعلى بل أقوى. أشعر بكل دقّة ترجني من الداخل. استلقيتُ وحاولت أن أهدأ تماما، وتتبعت الدقّات. دقتان متتاليتان، ثم هنينهة وتعودان. كل دقّة من الدقتين أحسّها جيدّا، في معدتي وفي رأسي وفي صدري. كل دقّة تضرب أعماقي فتهتز. أشعر كأن صدري سيقفز من مكانه. يقولون أن روتينيات الحياة تمنحها القاعدة المستقرة، ونحن غالبا لا نشعر بها. إذ أنّها مستقرة ثابتة لا تثير قلقا حولها. كم مرّة فكرت في دقات قلبي؟ كم مرّة استلقيتُ هكذا لأشعر به؟ كم مرّة سمعتها بهذا الإهتمام؟ وماذا يخبرني قلبي الآن؟

والقلم وما يسطرون



النون: المُحيط، والحوت 
وذو النون يونس في بطن حوت في محيط ..

الحرف الواسع، يسع النقطة في استدارته..
النون، حرف ومحيط .. والكتابة لا تنفد وتُفنينا..
ومُحيط الحرف يُغرقنا، فنتعلّق بنقطته ..

نون .. النهاية والنتيجة بلا سبب، ونخلة نتسلقها ولا نصل ..
نون النوافذ والنواصي .. نون النسوة المبنية في محل رفع فاعل ..
نون الناس .. النقوش .. و نصل السيفِ يذبحنا ولا نَمُتْ
ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب .. فلا أكيد ..
نون نجمة .. نور .. ونار ..
والنوى بعد وافتراق .. 

والحرف الأخير في "وطن" ينبذنا ..
نغمات ناي .. وناس نائمون ..
نون .. والقلم وما يسطرون

Sunday, June 5, 2011

غفوة

كنتُ بالداخل، وكنتُ أرقب كل شئ. فقط غفوتُ قليلا. واستيقظت فكان ما حدث قد حدث. متى وكيف تحول العالم إلى كل هذا القبح؟

خداع مستحب

قالت البنتُ: سافر ..
قال الولد: لكنّها سنون كثيرة .. قد يضيع فيها ما قد كان.
قالت: لا تخف. ستعرف نفسك أفضل. سأعرف نفسي أفضل. سنستطيع أن نتحاب أفضل.
قال: ليكن .. ـ

والبنتُ كانت تعرف أنّهما يضيعان من بعضهما. أرادت فقط بهذه الجملة أن تطمئن الجزء الخائف داخلها من وطأة البعد. كانت تفرغ مكان القلق لتتفرغ بعده للذكرى ومحاولات التأقلم.

والولد سافر. وهي تأقلمت. وعندما التقيا، لم يعرفها ولا هي عرفته. وظلّت الذكرى. ـ

صلات مفقودة

أنا لا أؤمن بالعلامات الآن، في الحقيقة لا أؤمن بشئ إطلاقا، ولكن هناك صلة ما يجب أن أجدها فيما حدث.
 
كنّا نتناول غداءنا معا، أو قل كانوا يتناولون غداءهم معا وأنا جالسة معهم. كنتُ أبحثُ وقتها عن الطرف الخفي للحبل الذي يصلني بالعالم. وأسأل اين اختفت روابطي مع الحياة؟ .. أختي تمسك الريموت في يدها وتقلب القنوات سريعا بحثا عن قناة ما لا تتذكر رقمها. أرادت أن ترفع خصلة من شعرها سقطت على عينيها ثم تكمل تقليب القنوات، فتوقفت للحظة واحدة على قناة ما. كان شخصا ما يقول: البيت الذي لا يستطيع أن يحمي من بداخله، يجب أن يُهدم. ثم حولت أختي القناة، وأنا بكيتُ طبعا. ـ

Saturday, June 4, 2011

في عرض الطريق

العالم الصاخب. كانت تسير في عرض الطريق، وسط السيارات. تغازل السيارات وتصيح على قائديها، ويردون عليها بكلاكسات مرتفعة، تفرح لها. كانت تسير ولا تخشى أن تدهسها سيارة لا تسمع صوت ضحكاتها. والسيارات أحببنها بشدّة والفتاة صدقت أنّها تحبهم.
ثم حدث أن رأت سيارة قبيحة. قبيحة للغاية. ألوانها مزعجة، تحتل الطريق كلّه ولا تترك لها المساحة الكافية، وكان سائقها لزجا مقززا. البنت خافت جدّا. جدّا. ثم سألت نفسها: هل تأخرتُ كثيرا؟ .. أخرجت دفتر مواعيدها، ربعت قدميها وجلست في منتصف الطريق. كان الشهر قد اقترب من نصفه. شطبت بقلمها الأحمر الأيام التي انقضت، ونظرت إلى الأيام القادمة المزدحمة. خافت أكثر. نظرت إلى السيارات التي كانت تعاكسها فبدا لها صوتها مزعجا. لم تُحب العالم. ارتعبت. بكت كثيرا. وقالت بصوت مرعوب: أنا خائفة.. أنا أريدُ أن أهرب.. لقد تأخرتُ.

وهكذا، نهضت. قررت أن تجري المسافة المتبقية. ولكنها لم تستطع أن تقرر في أي الاتجاهين ستسير. مع السيارات أم ضدها؟
ما زالت واقفة إلى الآن. الفتاة المسكينة، الخائفة. ـ

Friday, June 3, 2011

إقرارات

تعقيبا على حلقة مريد ورضوى امبارح





استنتاجات صباحية:



1. أنا أكره الركاكة .. ولفظة "الركاكة" هي التي كنتُ أبحث عنها للتعبير عن حالتي ولم أجدها إلا بالأمس. كنتُ أقول: "أحب الدقّة" ولكنّي أعود فأكتشف أنني لا أحب الدقّة ولا نيلة. "النظام"؟ لأ برده .. لأنّي أحب الفوضى فعلا، ولا غضاضة لديّ في تقبلها، بالعكس. لكن هناك شيئ يستفزنّي بشدّة في الأخطاء اللغوية -على الرغم من كوني أنا نفسي أخطئ بالعبيط يعني- .. هُناك شئ يثير غضبي في الألوان غير المتناسقة، في النصوص الرديئة، في المحاضرات المملة الفارغة. ولابد من لفظة تجمع هذه الأشياء. وجدتها بالأمس. "الركاكة". ولا أعرف لها مضادّا حتّى الآن. ـ


2. لأن الحياة مرهقة بما يكفي فعلا، وضيقّة. فمن حقي أن أبحث عن البراح. لن أرضى بعلاقات لا تصل لهذا المستوى من الرقيّ. لن أصاحب إلا هكذا، لن أحب إلا هكذا ولن أنجب إلا هكذا. على طريقتي، نعم .. ولكن بمستوى لا يقل. ـ


3. اللغة والتاريخ .. مفتاحان لفهم أوسع للعالم. بدونهما يظل الفهم قاصرا، محدودا، ومملا.


4. لن أستطيع أن أتعامل مع شيئ لا يُضيف لي. لا يُشبع فضولي الذي لا ينتهي. "بي شبق إلى ما لستُ أعرف". والمعادلة المطلوبة طول الوقت أن "يضيف" إليّ. وهذا سينطبق على كل شئ. بما في ذلك "الكتابة". سأكتب لأفهم بشكل أفضل. ـ


5. رضوى .. تأمل رقي الألفاظ، الطريقة التّي تتحدث بها بجديّة ثم تبتسم فجأة، الجديّة، الحياء، خفّة الروح والحضور، البساطة والأناقة. أنا أعشق هذه المرأة.


6. مريد.. تأمل رهافة الحس، التفهم، الاستيعاب، التقدير، والعلم والداراية. تأمّل الانسان الحقيقي بداخله والذي يفهم ويشعر ويفعل.


7. تميم.. تخيّل فقط أنّه ابن لهذين، وافهم لما أكره الركاكة، وأحب هذه العائلة.
وهذا هو. العائلة المقدسّة على حد تعبير أبو الغيط.